IMLebanon

.. في العراق

 

تماماً مثلما حمّل ويحمّل بشّار الأسد، ثلاثة أرباع الكرة الأرضية مسؤولية ما فعله ويفعله هو وسلطته بسوريا والسوريين، يحيل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية المستجدات الطاحنة في بلده على أطراف وقوى خارجية، معتبراً أنه لولا تدخلاتها لبقيت جنّة حكمه المشعّ عصية على شياطين الفتن والخرابّ!

والحاصل هو أن أنظمة ماتت لكن تراثها لا يزال في قمّة حيويته وحياته! بل هو في حقيقته جزء من التركيبة الذهنية لكل صاحب سلطة مماثلة لسلطة المالكي وواحد من الأعمدة التي يقوم عليها بنيانه بكل طبقاته.

وذلك التراث المستمر والمأخوذ بعناوينه من نظام «البعث» وما قبله، يفيد في أحد أبوابه الأساسية باعتماد قانونين لدوام السيطرة. الأول بناء علاقات خارجية مضمونة ومأمونة مع الولايات المتحدة أولاً وأساساً، وتقديم كل ما يلزم من شروط الضمان والأمان تلك (وأولها طمأنة إسرائيل!) والثاني إحالة أي حركة اعتراضية داخلية، أياً كان ثقلها وكانت طبيعتها، على التآمر الخارجي إيّاه!

خارج هذين النصيّن، يصير أي كلام آخر شبيهاً بالعلك بالنسبة الى أصحاب الشأن السلطوي. وهو عندهم علك مكلف ولا تقتصر أضراره على أوجاع الحنك المألوفة للعالكين المرتبطين والمرتهنين والخونة وأولاد الحرام!.. ومع ذلك وبرغم منه، فإن الحقيقة تبقى كما هي وفي مكانها الأبقى والأكثر دواماً من ذلك التراث التسلّطي.. ومرئية وواضحة ومدّمرة!

.. يمكن السيد المالكي أن يتهم أطرافاً خارجية محدّدة بالتدخل ضده في العراق، لكنه لا يستطيع إلغاء حقيقة أنه هو بالتحديد صنيعة تدخل غير عراقي! وأن الموازين التي جعلته رئيساً للوزراء في المرة الأولى صُنعت خارج بلاده. وأن المساند التي يتكئ عليها لدوام سلطته لم يركب بعضها الى جانب بعض في أي مكان آخر مثلما ركبت عنده! حيث يكفيه الآن أنه نقطة جمع ووصل إيراني أميركي أثير.. وأنه يُعوّل بحرارة إيمانية ساطعة على تطور تلك النقطة وتمدّدها وتوسّعها وترسّخها في تراب العراق وعلى حساب معظم مكوّناته!

.. والحاصل الفاصل، هو أن السيد المالكي جاء على أنقاض «البعث» الصدامي، لكنه بنى عمارته من حجارة تلك الأنقاض مع هشاشة مُضافة! بحيث أنه افترض القدرة على استبدال استبداد بآخر مستعيناً بالخارج أولاً وبالأدوات الأمنية والعسكرية ثانياً وبصناديق الاقتراع ثالثاً.. وفوقها كلها بخطاب تحريضي فئوي بامتياز وبطريقة تبزّ حتى ذلك التراث البعثي المألوف!

يكفيه في المحصّلة، أن الأميركيين أنهوا «البعث» والنظام في العراق، لكنه هو من أنهى العراق! ويأتي اليوم ليحمّل كل العالم أوزار خطاياه التي لا تُغتفر!