IMLebanon

في الغريزة والخلاصات

 

ولا مرّة غدر المنطق بأصحابه. ولا العقل بمحبّيه وزوّاره ومريديه. فيما الغريزة طيّارة، خيّالة، جامحة، واستطراداتها تؤاخي الشيطان، وبداياتها الحيرانة تحدّد نهاياتها المدمّرة.

القياس بالنسبة الى الأفراد حمّال أوجه ومطّاط وفيه طبائع البشر وغرائبهم وشؤون الله في خلقه، وهذه بحر لجب لا قعر له ولا حدّ لشطآنه..

لكنه بالنسبة الى الشأن العام يصير قريباً من الحياة والموت. بل هو قصة الحياة والموت نفسها. خصوصاً، وخصوصاً جداً، إذا أعطى صاحب السلطان ومالك زمام البأس، الصدارة والوجاهة لغريزته ودفع بعقله وملكة الحكم السوي عنده للذهاب في إجازة مَرَضية أو غطى عليهما برداء حالك مانعاً نور الشمس ونسائم الريح من الاشتباك بهما وإنعاشهما!.

والغريزة في ذاتها وجذرها ليست شريرة ولا مدعاة للشر بالضرورة، بل هي في فطرتها ولاّدة وحي ونجوى وهوى، وتُربط بالصدق في معظم الحالات واللسانات والغوايات، لكنها عند درجة «الوعي»، أي عندما تأتي نتيجة قرار مدروس، تصل الى درجة الدمار الشامل، والى سخونة صهر الحديد وبرودة شباط في صحاري سيبيريا الجليدية.. تعطي «مردودها» بسرعة. وهذا حسب العادة، داخلٌ في حلف عقاري مع المقابر! كلما فار هو في العالي أكثر، فتحت الأرض أغوارها في الأسفل أكثر فأكثر! وتسابقت الحفر على الامتلاء. وردّد رجع الصدى نعيق بوم لا يهدأ ولا ينام ولا يلطّف بالسُكّر أوتار صوته وبحّته المسكونة بالشؤم واللعنات والنكد!.

عندما تصادر الغريزة أحكام صاحب الشأن والسلطان، الموصوف بأنه من أهل الحل والربط والشد والرخو، يعمّ خراب لئيم وعميم. اللؤم فيه متأتٍ من كونه تتويجاً للشطط وخلاصة للتيه في الأنا، وليس نتيجة حتمية لصراع إرادات واعية، كان آخر «طموحاتها» أن تجد جناها رماداً وخيرة شبابها مجندلين، بل حكمت عليها الأقدار والأبصار والحسابات والمصائر أن تذهب للحرب (مثلاً) فذهبت ومثلها فعلت إرادة مواجهة، فكانت النتيجة خراباً.. لكنه خراب كريم! قياساً الى لؤم ذاك الأول!

وغريب منطق البدايات والنهايات كم هو دقيق: ما من انطلاقة صحيحة يمكن أن تنتج خلاصة خاطئة. والعكس صحيح: الذهاب الى المشاركة في قتل شعب سوريا، هو البداية الغرائزية التي أوصلت وستوصل أكثر، الى كل ذلك الخراب القيمي والبشري في لبنان، والى كل ذلك الاستنزاف الذي، في كل حال، لا يزال في بداياته!.