IMLebanon

في المناخ المتطرّف

 

مرة جديدة يؤكد «حزب الله» أن مناخه خاص به ومقطوع عن أي ملابسات أو تماسات أو تأثيرات خارجية. ومرة جديدة يتبين ان المشكلة معه متأتّية من إصراره على تعميم ذلك الخاص، والرهان على تسليم الآخرين به، أو الاستسلام أمامه والإذعان لطقوسه!

ومرّة جديدة يتبيّن ان اللغة التبليغية عنده هي بنت شرعية لذلك المناخ، ولا تعرف التكيّف مع أي لغة أخرى. مصطلحاتها وحديدها وكلسها وأسيدها واحد. لا اختلافات سوى تلك الخاصة بهويّة الخصم أو العدو، والباقي على حاله، لا يزعزع يقينه نقاش ولا محاججة، ولا تفتر عزيمته امام اي حقائق معاكسة تظهر امام الملأ.

اللغة اليقينية الحاسمة التي يبالغ في اشاعتها اليوم إزاء «داعش»، هي ذاتها التي استخدمها على مدى السنوات الماضية في النزاع السياسي الداخلي المفتوح في لبنانّ! اختلفت أشكالاً ومصطلحات لكن النَفَس ذاته من دون أي تراخ أو ركاكة أو فركشة تنم عن مضمر متردد أو نادم! ومن دون تقديم أي إيحاء أو اشارة الى الاخذ بشيء له علاقة بما يُسمى نقداً ذاتياً أو مراجعة أو اعتذاراً عن غلو في الحدّة وأخطاء في التشخيص والتقدير والاحكام.

دائماً وأبداً هو الاساس، والباقي اضافات. دائماً هو صحّ وغيره غلط. وهو على حقّ وغيره على باطل. وهو على صواب وغيره على تيه وزوغان. ودائماً وابداً هناك ذلك الكمّ من مصطلحات القطع والحسم واليقين والمقدّس.. دائماً هناك تلك اللغة التي تُستخدم في الثكن العسكرية والمدارس الدينية، والتي لا يصيبها عَوَرٌ ولا ضرر ولا بأس إلاّ اذا أُريد استخدامها في غير موضعها، اي تماماً مثلما يفعل «حزب الله».

وذلك في الشكل.. شكل الأداء والتبليغ ولغة النار. أما في المضمون، فدون حصره فواصل ووديان لا توصل بينها جسور الشرق كله: حزب هو جزء من آلية أوصلت الى «داعش»، يحاول اليوم تعميم خبرية أن بشّار الاسد اقلّ داعشية في ممارساته! أو أن قتل الشعب السوري هو معطى متحوّل تختلف «تأثيراته» باختلاف هوية القاتل! وحزب لم يترك تفصيلاً بسيطاً من دون إسباغ لغة المذهب عليه، يريد أن يقنع الآخرين انه مهموم بـ«الأمة» والدين كلّه! وحزب لم يترك نافذة مفتوحة على الهواء النقي في مناخ اللبنانيين، يريد اليوم ان يقول إن السموم آتية من عند غيره! وحزب لم يتحمّل فسحة ضوء تسووية اشاعتها عودة الرئيس سعد الحريري في عتمة الوضع اللبناني، فسارع الى سدّها بتأكيد يقينياته في الانتخابات الرئاسية وفي الكارثة التدخلية في سوريا.

اللائحة طويلة، لكن الخلاصة انه حزب مأسور بذاتيته، ولم ينتبه بعد الى ان مناخه المتطرف لا يتلاءم مع طقس الاعتدال «الطبيعي» في بلد متوسطي مثل لبنان.. وحبذا لو ينتبه!