قول ميشال عون بتعليق “صبوته” الى رئاسة الجمهورية على تأييد سعد الحريري، ليس صادقاً، لا جملة ولا تفصيلاً، على الأقل لمن ينعم النظر في الوقائع المحلية، والمشهد الدولي – الاقليمي.
أولاً، لأنه يعرف ان التوافقية ليست بزة يشتريها من “المولات”، وتتنافر مع وقوفه بحذاء الحزب المتسلط،وآخر تجلياته الاثنين الفائت حين “بصم”على اعلان نصرالله وضع الدولة تحت حماية سلاحه.
ثانياً، ان دعم الحريري له، يعني إسقاط كل ما بنته حركة 14 آذار الشعبية من نهج سياسي وطني، لمصلحة الالتحاق بولاية الفقيه الايراني، الذي وقع “وثيقة تفاهم” مع وكيله في لبنان، ولم يعترض يوما على أي من ” ترجماته ” لهذه التبعية، بل امتدح كل إملاءاتها، من 7 أيار ، الى اسقاط حكومة الوحدة الوطنية ، والحرب على الشعب السوري.
ثالثاً، ان كل ما يعنيه شعار “لبنان أولاً”، الذي رفعه سعد الحريري، وعكس ارادة تكريس السيادة وبناء الدولة، واستقطب اغلبية اللبنانيين، يتناقض مع تحالفاته وامتداداتها الإقليمية.
رابعاً، ان دعم عون يعني الانصياع ضمناً لحليفه، مع مفعول رجعي يبدأ من 8 آذار 2005، ولا يقف عند كذبة حماية مقام السيدة زينب، والتنكر لاعلان بعبدا، ووضع لبنان تحت إمرة الولي الفقيه.
خامساً: في الحالة هذه، أليس من الأفضل صفقة “استسلام” مع ولي الأمر السياسي لعون، أي حزب الولي الفقيه نفسه، وإستبدال “ربط النزاع” بمصالحة مبتسرة.
سادساً، ترئيس عون، المرشح غير المرشح، والمدعوم، بالايحاء من الحزب الذي يتجنب تسميته، يعني انتصار طهران التي تريد ان تقف عند بوابة فاطمة لتساوم اسرائيل على نفوذها في المنطقة.
سابعاً، وصول طهران بشخص عون، المؤمن بتحالف الاقليات، يعني استكمال الهلال الفارسي في لحظة سعي المالكي والاسد الى تثبيت أقدامهما في العراق وسوريا.
ثامناً، لم يعد خفيا، ولا خافيا، ان الاستقرار الهش ولد من تفاهم سعودي – ايراني “انجب” الحكومة، ولم “ينجب” رئيساً للجمهورية، ولم يصل الى الاتفاق إقليميا، في حين ينخرط الطرفان في مواجهة ساخنة مذهبية وجيوسياسية في الجوار السوري.
تاسعاً، ان الاوراق البيض التي اعتمدها عون، وضعت انتخاب الرئيس على الرصيف الدولي – الاقليمي، الذي سيفتح هذا الملف، يوما، لايجاد بديل وفاقي يستمر في ادارة الازمة بحد أعلى من الوسطية، وحد أدنى من السيادية، حتى تنتقل مفاوضات الـ 5+1 مع طهران من الملف النووي الى الاقليمي. عندها، من يتنازل في تخصيب الاورانيوم بعد طول عناد، لن تتسنى له المعاندة الاقليمية.
لكن هذه الوقائع تفسر ما يقصده عون بانتحال التوافقية، وما يبطنه الحزب بعدم تبني ترشيحه علنا: تقديمه إلى الوسطاء كشخصية لا يتبناها الحزب، ولا يؤيدها “المستقبل”. صديق للأول، وليس عدوا للثاني.