يقول الخبر الذي نحن في صدده، إن قوات نوري المالكي دخلت إلى مدينة تكريت يوم أول من أمس ظهراً، ثم انسحبت منها ليلاً تحت وطأة المعارك مع المسلحين والعشائر. الخبر غريب في ظاهره (العسكري) لكنه حقيقي وطبيعي جداً، وجداً جدًّا، في مضمونه ودلالاته.
حيث إن الأمر الميداني المشتعل في العراق يشبه ما يجري في سوريا لناحيته الهزلية المتصلة بأن المالكي يرى، ويريد من كل العالم أن يرى مثله ولأجله! أنه سلطة وطنية تقاتل جماعات ارهابية. وان معركته (مثل رديفه السوري بشار الأسد) هي جزء من الحرب الدولية ضد الإرهاب، وتتم بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن نصف دول الأرض التي من ضمنها، بطبيعة الحال والبيان والمعتقد والخطاب «الدعوي» و«البعثي»، دول الغرب برغم أن هذه في الرأي الوجيه للأسد، أساس وأصل المؤامرة الكونية ضد نظامه والتي يُستخدَم فيها ذلك الارهاب التكفيري تحديداً!
واقعة تكريت تؤكد مسار وتطور الأحداث التي بدأت مع سقوط الموصل قبل شهر بالتمام والكمال، وخروج دولة «داعش» الى العالم وبطريقة مسرحية صاخبة (ولأجل مسمى!) بحيث إن المواجهة خرجت من دائرة التلوين وصارت ثنائية واضحة وتعكس واقع الحال تماماً.. المنقسم مذهبياً بسفور لاذع: تكريت ليست عاصمة «البعث» الصدّامي بقدر ما هي عاصمة العصب المذهبي المضاد لعصب المالكي وقواته! مثلما أن «داعش» في ذاتها وطلاسمها رُكّبت كواجهة متفجرة (ومسرحية مجدداً!) لتشظّي العراقيين تحت وطأة المطرقة السياسية الايرانية والمشروع الاستحواذي الذي تضمّه وتلمّه وإفرازاته القتالية التي وصلت مواصيلها الى سوريا قبل أن ترتد الى منابعها منذ ثلاثين يوماً.
ويكمل أخطاءه المالكي ويتوّجها من خلال إصراره على ادعاء محاربة «الارهابيين التكفيريين» علماً أنه لم يكن هو من انتصر على أمثال هؤلاء سابقاً كي يحاول مجدداً. ولن يكون هو، لا في الشخصي ولا في مؤسسات الحكم القائم على صورته الراهنة، من سيواجه الحالة المستجدة في اللحظة الحاسمة ويكرر مع «داعش» واقعة كسر «القاعدة» والزرقاوي. من سيفعل ذلك هو من فعله سابقاً، سوى أن الأمر هذه المرة يحتاج الى أكثر من «الصحوات» والجنرال الأميركي بترايوس.
خطورة عناد المالكي تكمن في انه يتابع الركّ على العصب المذهبي لإقفال باب العودة عن تفجّره في وجه الجميع. وخطورة نكده وكيده تكمن في أنه يتحرّك ميدانياً باتجاه فيما ملامح تسوية تتحرك باتجاه آخر. وكأنه يريد (يائساً في كل حال) نسف المسار الذي بدأ وسيؤدي حُكماً وحتماً الى اختيار غيره لرئاسة الحكومة، بعدما تم اختيار وانتخاب رئيس جديد للبرلمان، والاتفاق بين الكرد على اسم الرئيس الجديد للجمهورية.
من «سيعود» الى تكريت والموصل وعموم الأنبار وصلاح الدين، هو دولة تلك التسوية، وحكومة وحدة وطنية وجيش عراقي فعلاً! وليس ما هو قائم حالياً. أي دولة الغواية المذهبية. وحكومة الاستبداد الفئوي، والوحدات العسكرية المرتبطة بالمشروع الايراني أكثر من ارتباطها بمشروع العراق الواحد!