IMLebanon

في ضيافة النار!

حتى الرئيس نبيه بري يضع يده على قلبه حين يتحدّث عن المخاطر الزاحفة، بالجملة والمفرّق، في اتجاه هذا اللبنان الذي يكاد يفتقد في محنته الراهنة قادة بحجم أولئك الذين كانت تقف لهم المقاعد والمقامات حين يحضرون.

لبنان في خطر. وحين يقرّر رئيس المجلس أن يقلب الطاولة ويبوح بالحقائق الدامغة، قبل أن يسقط لبنان في اللجّة، فإنه يتجاوز المحاذير ويفتح قلبه وعقله وصراحته إلى آخر مدى.

من النادر أن يدبّ برّي الصوت على من تبقّى من قادة ومرجعيات سياسيّة وروحيّة، داعياً الجميع إلى تدارك أمرين خطيرين يتهدّدان الوطن الصغير، والآن قبل غد وقبل فوات الأوان:

أولهما البراكين التي اقتربت قذائفها وأنهرها الناريّة من سور الأشجار الذابلة حول البيت البلا سقف ولا جدران، وثانيهما التعطيل والتأخير المتعمَّد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتولّى قيادة السفينة المشرفة على الغرق، مما يفسح في المجال لمزيد من انهيار المؤسسات المشلولة، ومما يمهّد للسقوط المدوّي.

عندئذ لا يعود يفيد النواح، ولا دموع التماسيح، ولا إلقاء اللوم على الطليان أو الأميركان.

وإذا استمر المتشبِّثون عند مواقفهم وأوهامهم، فليعلم الجميع أن كل يوم تأخير يضاعف الخطر، وكل شهر انتظار إضافي يساهم في تقريب المأساة المفجعة.

ومَنْ ذا الذي يملك أن يقول إن البلد في حماية هذه “المظلّة” أو تلك “القبّعة”؟ إنها مجرّد أوهام لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تردّ المخاطر الداهمة التي شرعت في طرق الأبواب بالصواريخ لا بالأيدي.

لم أعرف نبيه بري يوماً في مثل ما وجدته أمس، من قلق وارتياب، وغضب ونقمة على أولئك الذين يتفرّجون على لبنان وهو ينزلق مسرعاً نحو الهاوية الحقيقيّة، ونحو الفراغ الأكبر، ونحو الفوضى غير الخلاقة، ونحو المصير المجهول.

وإذا ما سألته عن حكاية “موعد أيلول” رئاسيّاً، ينتفض معترضاً محتجّاً: أي أيلول، أي بلّوط؟ إنها مسألة أيام وليست مسألة أشهر.

فالتطوّرات والتداعيات التي خشينا زيارتها لنا ذات يوم، ها هي قابَ قوسين أو أدنى. بل ها هي في عقر الدار. في المقلب اللبناني من جبال القلمون، وفي أعالي منطقة عرسال، بلوغاً لجرود رأس المعرّة.

وحين يستعيد مجريات الكوارث والمآسي في سوريا والعراق، يدلّ بأصبعه على لبنان الصغير المضاف إليه ما يقارب المليوني نازح. مع تدمير هذين البلدين انكشف لبنان كليّاً، وانكشفت المنطقة العربيّة، وأصبحنا جميعاً في ضيافة النار.

بعد تأمّل مرفق بتنهيدة، يهمس برّي اننا لم نبلغ بعد سن الرشد، الحقّ مع الرئيس الياس الهراوي. الحقّ كل الحقّ على القيادات والمرجعيّات اللبنانيّة الغارقة في عكاظات المزايدة والتعطيل.

أما الآن، فالأمور اللبنانيّة أصبحت في أيدي الخارج و”البلدان المعنيّة” بعد تخلّي اللبنانيّين عن واجباتهم الوطنيّة. اتَّعظوا.