IMLebanon

في عين عاصفة الارهاب التكفيري: حق العودة للّبنانيين؟

قديماً قيل «عشْ رجباً ترَ عجباً»، واليوم يجب أن يقال «من يعشْ «شوّال» (في التقويم الهجري) يرَ «الأهوال». والكلام طبعاً يذهب إلى ما شهدته بلدة عرسال في البقاع اللبناني خلال الأيام القليلة الماضية.

كلام كثير قيل حول ما جرى، وكلام أكثر سيُقال بعد الذي جرى، وفي ما يلي بعض منه في نقاط رئيسيّة:

أوّلاً، كان مسؤول لبناني رفيع يردّد: «عندما تنتهي الحرب في سورية أبدأ بالقلق، لأن هذا يعني انتقال حرب الإرهاب إلى لبنان». وعلى رغم ان الحرب ما زالت مستمرّة ومتواصلة في سورية، تحوّل بعض المقاتلين فيها من تنظيمات إرهابيّة يختصرها تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة».

كانت المهمّة الأولى للإرهابيين ترويع سكّان عرسال، عقاباً لهم على ماذا؟ على حسن معاملتهم لآلاف النازحين الذين هربوا من جحيم المعارك في سورية، فاستقبلهم أهالي عرسال على الرحب والسعة. وللمفارقة فإن عدد سكان عرسال في حدود الأربعين ألف نسمة، وقَدِمَ إليها ما يزيد على مئة وثلاثين ألفاً، أي ثلاثة أضعاف عدد السكان الأصليين.

وشهدنا بأمّ العين بعض العراسلة الذين تمكّنوا من الخروج من البلدة وهم يطلقون صرخات النقمة والعتاب من نوع: «ماذا فعلنا لكم، هل لأننا استقبلناكم في بيوتنا تنكّلون بنا وتعتدون علينا وعلى عائلاتنا».

ثانياً، نكتب هذه السطور وأمامنا نتائج المفاوضات التي جرت بين وفد فريق العلماء المسلمين والمجموعات المسلّحة، لتسليم سبعة عشر عنصراً من قوى الأمن الداخلي، وعشرة عناصر تابعين للجيش اللبناني، على أن تغادر المجموعات المسلّحة بلدة عرسال بعد ذلك مع ضمان «الخروج الآمن» للمقاتلين. والسؤال: هل يجب أن تنتهي الأمور عند هذا الحد وكأن شيئاً لم يكن؟

لقد عارض فريق من اللبنانيين فكرة التفاوض مع المجموعات المسلّحة كي لا تُسبغ أي شرعيّة عليهم، لكن حرص السلطات اللبنانيّة، أو بعضها على الأقل، جعلها توافق على التفاوض لإنقاذ العسكريين الأسرى من الاحتجاز. لكن وبعد كل ما شهدناه في لبنان وقبله في سورية والعراق يجب كشف جميع الأوراق أو بعضها على الأقل.

فعن تنظيم «داعش» (التسمية الحركيّة لدولة العراق والشام) بقيادة المدعو أبو بكر البغدادي، وهو التنظيم الذي اختزل تحرّكات الارهابيين المعترفين، حان الوقت لطرح الأسئلة الأساسيّة ومنها: مَن هو تنظيم «داعش»، ومَن الذي يقف وراء تناميه بهذا الشكل الخطر؟ ومَن الذي مدّه بالمال والسلاح ليصبح قوّةً تهدّد الأمن القومي العربي بكافة عواصمه أو ما تبقى منها؟

وانطلاقاً من الصفة المذهبيّة والطائفيّة التي يتحرّك التنظيم ضمنها، وهو المذهب الاسلامي السنيّ كما يزعم الذين انتموا إليه، لاحظنا في الوقت نفسه الكثير من أهل السنّة الذين رفضوا أن يكون تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» الممثل الشرعي والوحيد لمطالب المسلمين السنّة.

ثالثاً، ثمّة بعض الأخطاء القاتلة التي ارتكبت ولم يتمّ التنبّه إليها في وقت لاحق، وهو الأمر المتعلّق بتدفق آلاف النازحين من سورية إلى لبنان هرباً من «جحيم المعارك».

وعندما ارتفعت بعض الأصوات في لبنان التي تحذّر من كثرة تدفق النازحين وعدم قدرة لبنان على استيعابهم، كانت الأصوات الأخرى تدعو إلى التعاطف الكامل مع النازحين مهما بلغ عددهم. واليوم وبعد معاناة لبنان واللبنانيين جرّاء تواجد هذا العدد الهائل من النازحين السوريين في المخيّمات «العشوائيّة» تبدّلت الأجواء بعدما أحدث وجود السوريين هذه المنافسة غير المتكافئة للأيادي العاملة اللبنانيّة، بخاصة عندما نعلم أن عدد النازحين قد تجاوز كلّ التقديرات ليصل إلى ما يزيد على مليون وثلاثمئة ألف نازح (من المسجلين) إضافة إلى الذين دخلوا الحدود اللبنانيّة – السورية خلسةً من المعابر غير الشرعيّة ويعدون أيضاً بالآلاف.

والسؤال: كيف يمكن لبنان أن يستوعب هذا الانقلاب الديموغرافي في تركيبته عندما يبلغ عدد النازحين فيه ما يزيد على ثلث عدد السكّان الأصليين؟

إن المسؤولية في ذلك تعود إلى حالة التجاذب الحاد القائمة في لبنان. إذ عندما ارتفع بعض الأصوات محذّراً من مخاطر هذا الوجود العشوائيّ للنازحين، ارتفع بعض آخر موجهاً الاتهام إلى ذاك البعض من اللبنانيين، ورفع شعار الأخوّة والنخوة فوق أي اعتبار آخر. وهذا ما يجنيه لبنان حالياً من وحي ما حصل.

وإضافة إلى العامل الاجتماعي الذي قلب كل مقاييس أنماط العيش في لبنان، هناك الجانب الأمني، وهو الأكثر خطورةً في هذا المجال. لقد تبين أن بعض المخيّمات التي «رُكبت» على عجل لإيواء النازحين استخدمها البعض من المقاتلين للنظام السوري لتجميع الأسلحة على أنواعها، وهكذا تحوّلت «مخيّمات البؤس» للنازحين إلى «مؤسسات» تخرّج العديد من المقاتلين الذين يشكّلون الأخطار الداهمة على لبنان وعلى سائر دول الجوار.

إذاً مع ما حدث في عرسال من تطوّرات دراميّة أفقدت الجيش اللبنانيّ العديد من خيرة الضباط والأفراد، وُضِعَ لبنان في عقر دار الإرهاب الذي استهدفه منذ سنوات. لكن اشتداد هذه العاصفة على الداخل اللبناني تهدّد بعواقب وخيمة لا يمكن التنبوء بتفاصيلها سوى استشعار المزيد من المخاطر التي تعصف بالوطن الصغير، في فترة مصيريّة تحمل كل معاني كلمة المصير.

إن الأصوات التي ارتفعت لتمجّد دور الجيش اللبناني، مشكورة ومقدّرة، لكن هل تكفي موجة الاشادات بالجيش لتمكينه من القيام بواجبه على الوجه الأكمل؟

مشكلة الجيش تكمن في عديده وعتاده. فلا عدد أفراده يكفي لمواجهة المهمات الجسام الملقاة على عاتقه، ولا يملك الضباط والجنود العتاد الكافي لمواجهة التحديات المصيرية الماثلة أمام هذا الوطن الصغير.

إن المملكة العربية السعودية مشكورة خصصت مليار دولار لمكافحة الإرهاب، يضاف إلى مبلغ الثلاثة مليارات لتعزيز قدرات الجيش عدداً وعدّة. وتفيد بعض المعلومات أن الاتصالات التي أجراها رئيس الحكومة تمام سلام مع سائر المرجعيات ومنها فرنسـا، كان الغرض منها التعجيل في إرسال الأسلحة المـــطلوبة إلى لبنان لأن الإرهاب لا ينتظر مهادنيه على الإطلاق، فهو يُبــاغت بخطف ارواح الأبرياء الذين تصادف مرورهم قرب مواقع التفجيرات المفخخة.

وبعد…

الكلام لا يتوقف عند حد معيّن عن الإرهاب الذي اعتمده البعض نهجاً للحياة ورمزاً للنضال، فأيّ نضال هذا الذي يتحدثون عنه؟

… رسالة من مواطن لبناني عادي منذ أكثر من عشر سنوات:

أيّها السادة النواب، توجهوا فوراً إلى مبنى مجلسكم الكريم في ساحة النجمة واجتمعوا، ولا تغادروا حتى ترغموا كافة الأفرقاء على الوفاء في الاستحقاق الدستوري الأهم وهو انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. ويقول رئيس مجلس النوّاب نبيه بري لنا إنه على استعداد لفتح أبواب المجلس في الليل والنهار، متى يظهر التوافق بين مختلف الكتل النيابية المكوّنة للتركيب اللبناني.

وفي هذا السياق طلب رئيس المجلس من وزارة الداخلية الدعوة إلى إجراء الإنتخابات النيابية، وفي هذا السياق يتم التداول بالطرح التالي:

إن حال الجمود المخيّم على انتخابات رئاسة الجمهوريّة، لن يحدث فيها أي تحرك جديد ومجدٍ إلاّ بعد حدوث «تطوّر أمني جلل»، من شأنه أن يشكل قوّة دفع جديدة قد ترغم ممثلي الشعب اللبناني على التحرّك الفاعل.

فهل أن ما حدث في عرسال هو «التطوّر الأمني الجلل»، أم أن علينا انتظار تطوّر آخر في الأيام المقبلة؟

… في ضوء كل ما تقدّم وما يمكن أن يحدث، هناك خشية تنتابني كمواطن لبناني عادي على الآتي من الأيّام: هل يتحوّل اللبنانيّون من بلد مضيف للنازحين إلى نازحين بدورهم؟ وعندها يجب المطالبة بـ «حق العودة» ليس للاجئين الفلسطينيين ولا للنازحين السوريين فحسب، بل لمجموع اللبنانيين، حيث لا يدرك البعض منهم هذه المخاطر التي تعصف بالوطن الصغير.

أيّها اللبنانيون… تعالوا إلى كلمة سواء، فالأخطار ماثلة وداهمة ولا مجال للتنصّل من المسؤولية واعتماد أسلوب الاتكاليّة والتراخي في الاسهام في عملية البناء الوطني… قبل فوات الأوان. وتذكرون القول الشهير: «إذا راح الملك منجيب ملك غيرو، لكن إذا راح الوطن ما في وطن غيرو».

لمَن لم تصله الرسالة بعد من اللبنانيين على إختلاف توجهاتهم وانقساماتهم، يرجى أخذ العلم، وأي تخاذل أو أي قراءة خاطئة في الموقف العام ثمنها باهظ وشديد الخطورة على الأجيال الشاهدة… وعلى الأجيال الآتية.