بعد كل عدوان إسرائيلي على غزة، والعدوان لم يتوقّف منذ عقود، يخال المرء أنه لم يبقَ شيء من غزة أو شعبها كي يتحمّلا اجتياحاً جديداً. لم تتمكّن إسرائيل قط من تركيع غزة على رغم الجبروت العسكري الذي تُمطر به القطاع المكتظّ بسكانه، والذي تبقيه إسرائيل، بدعم مصري، تحت الحصار فتسيطر على حركة انتقال الأشخاص والبضائع منه وإليه.
تقول إسرائيل إنها تملك حق الدفاع عن النفس ضد صواريخ “حماس” التي تزرع الرعب في نفوس السكّان، وان تكن نادراً ما تتسبّب بالكثير من الأضرار أو توقع ضحايا.
من جهة أخرى، علّة وجود “حماس” هي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. فهي ترى أن من حقها الدفاع عن نفسها ضد الاحتلال والترويع المتواصل.
يدعي الجيش الإسرائيلي، في كل هجوم يشنّه، أنه يريد شلّ “حماس” لكنه يستهدف عوض ذلك جميع السكّان. نتيجةً لذلك، يموت الغزّاويون، وتبقى “حماس”، ويستمرّ إطلاق الصواريخ. يتواصل هذا الصراع بين إسرائيل و”حماس” منذ سنوات، وليس لدى الغزاويين من مكان يقصدونه ولا خيار أمامهم سوى أن يتحمّلوا.
تطلق “حماس” الصواريخ من دون هدف أو استراتيجية محدّدة. يحتفل أنصارها عندما تدفع الصواريخ الإسرائيليين إلى الهروب للاحتماء في الملاجئ، لكنهم يغفلون أن الرد الفوري من إسرائيل سيرسل الفلسطينيين إلى مثواهم الأخير. على أولئك الذين يهتفون لحركة “حماس” أن يعلموا أنه لا يمكنهم أن “يحتفلوا” بصواريخ “حماس”، ومن ثم ان يتذمّروا من القتل والتشويه والدمار التي تمارسها إسرائيل.
ومن المنطلق عينه، على أولئك الذين يبرّرون العقاب الجماعي المتكرّر وغير المتكافئ الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على غزة بذريعة الدفاع عن النفس، ألا يُصابوا بالصدمة لدى شن مزيد من الهجمات وسقوط مزيد من الصواريخ وحصول مزيد من التفجيرات الانتحارية. فالعنف يجرّ العنف. يجب أن يسألوا هل الحل في القيام باجتياح جديد، وكيف تستطيع “حماس” – وهي مجموعة عسكرية خاضعة للحصار – أن تستمر في إطلاق الصواريخ على رغم العمليات المتطوّرة والمتكرّرة التي يشنّها أحد أعتى الجيوش في العالم؟
الضرر الذي تلحقه إسرائيل بغزة يذهب أبعد من خسارة الأرواح والممتلكات. كما أنه مدمِّر على المستويَين السيكولوجي والمعنوي.
فالغارات الجوية الإسرائيلية لا تتسبّب بتدمير “حماس” وجناحها العسكري، ولا إرادتها للتسلّح والتدريب وإطلاق الصواريخ، بل تدمّر روح الفلسطينيين ورغبتهم في العيش.
كيف يتحمّل العالم رؤية جثث الصغار الذين يسقطون بأعداد كبيرة، والأمّهات الثكلى والآباء المفجوعين؟ ألا تكفي كل هذه المشارح والمدافن المكتظة بالجثث؟ هل نحتاج إلى مزيد من التبريرات وتظاهرات الدعم كي يدرك الضمير الجماعي أن “حماس” ليست غزة؟
لا تدّعوا ان في امكان الفلسطينيين أن يروا بصيص أمل أو نور في نهاية النفق. تمعّنوا جيداً في أقوالكم وأفعالكم قبل أن تهلّلوا فرحين، فسوف تجدون أنه لا مكان الا للنحيب!