لن تغيّر شيئاً الحرب الإسرائيلية على غزّة. ولن تكون في ختامها إلا محطة من محطات النزال والمواجهة المفتوحة منذ ستة عقود والمرشحة لأن تبقى كذلك على مدى التاريخ!
والثابت في تلك السيرة بين الطرفين هو النزاع، والمتحوّل هو التسوية. كل حكومات إسرائيل شنت حروباً واعتداءات على الفلسطينيين والعرب. اليسارية منها واليمينية والائتلافية.. وكل بيان أو فكرة أو بيت شعر أو قصيدة تامة، أو رواية أو حكاية أو شردة ليلية في سماء الصيف.. كل حلم أو وهم، كل كلمة في جملة أو جملة في صفحة أو صفحة في كتاب أو كتاب في مدرسة أو مدرسة في حي، أو حي في مدينة.. كل زيتونة مقدسة، كل عصرة زيت، كل حرف في كلمة فلسطين، تقول إن ذلك النزاع دهري أبدي طالما أن الحال على ما هو عليه. وطالما أن إسرائيل تتوهم بأن سيرة الهنود الحمر قابلة للتعميم في الشرق العربي، وتفترض أنها بالحديد والنار يمكن أن تطوّع التاريخ وتزوّر الجغرافيا وتشطب كياناً بشرياً به بدأ العمران في الأرض.
ما ستغيره المواجهة الراهنة يتصل (ربما) بالشأن السياسي السريع. ولن يمس الثوابت. لا الحدود ولا الإرادات ولا المواقف المتبادلة: حكومة نتنياهو تضرب في غزة و«طموحها» الفعلي هو أن تضرب في رام الله! وهي تعرف تماماً أن المواجهة الراهنة مع «حماس» محكومة بمنع الانزلاق الى حرب شاملة لاعتبارات أميركية ودولية تتصل بما يجري في المنطقة وبالمفاوضات «الدقيقة» مع إيران في شأن ملفها النووي.. لكن «هذه الدورة النارية ستأخذ مداها، أولاً «لتأديب الفلسطينيين على وحدتهم وحكومتهم ومصالحتهم. وثانياً لتبيان القدرة الصاروخية الفعلية لـ«حماس» والقدرة الفعلية للنظام الصاروخي المواجه لها. وثالثاً لترسيخ تلك المعادلة الرقمية القائلة بأنه في مقابل قتل 3 مستوطنين يهود في الضفة الغربية «يجب» أن يُقتل 300 فلسطيني ويجرح ثلاثة آلاف!.
لكن المعضلة الفعلية والدائمة لإسرائيل ليست في غزة إنما في الضفة الغربية. وليست في «حماس» إنما في السلطة الوطنية في رام الله وفي برنامج عملها السياسي وفي أدائها الإقليمي والدولي: منذ أن «اكتشف» الفلسطينيون مقدار القوة الكامنة في «صواريخ» التسوية، والإسرائيليون يفعلون كل شيء لدفعهم من جديد الى استبداله بصواريخ أحمدي نجاد وخطاب الممانعة الإيراني! ويستميتون في تخريب كل جهد تسووي أيًّا كانت ضآلته وضحالته، ولا يفوّتون فرصة لتخريب أي فرصة لتحريك المفاوضات ونتائجها.
.. في غزة معركة في حرب طويلة. الجديد فيها أن صواريخ «حماس» تكمل هذه المرة، البرنامج السياسي الوطني الفلسطيني وترجماته في رام الله. ولا تتخطاها!.