IMLebanon

في هجاء المخابرات

وائل عبد الفتاح

ـ 1 ـ

وماذا تفعل أجهزة المخابرات الوطنية؟.. سؤال الأسئلة في لحظات نهاية الفردوس الذي ربط بين إنشاء أجهزة مخابرات و«الوطنية» وكان كلاهما يعني: أن الدولة تعني سيادة الأنظمة، والوطنية تعني الولاء لها، وكل مَن هو خارج هذا الفردوس ملعون بالخيانة والعمالة ولا يستحق سوى الموت أوالملاحقة بهذيان هستيري.

وبالهذيان وحده أصبحت «المخابرات» أجهزة حكم لا أمن، شريكة في «ملكية» الدولة أكثر من كونها «جهازاً أمنياً يختص بالمعلومات..»… ينطبق هذا على كل دول العالم العربي التي عاشت كل منها مراحل من سيرة هذه الاجهزة: مرحلة كان مجرّد ذكر اسم الجهاز يثير الرعب والضآلة الإنسانية في مواجهة وحش ضخم يرى ويسمع ولا يسمح لأحد بالكلام من دون إذنه. بعض البلاد مرت بمراحل أخرى أشرفت فيها الأجهزة نفسها على توزيع حصص الثروة والسلطة في بلاد ما بعد الحروب الكبرى مع العدو الإسرائيلي… الذي ظننا من كثرة الاستخدام أنه استمر «عدواً» ليبرّر الحضور الخرافي للأجهزة المخابراتية… حضور كاد يبتلع دولاً ومجتمعات وشعوباً.

ـ 2 ـ

وماذا تفعل المخابرات في الدول العربية «أفعل» من التجسس على مواطنيها، ليس مواطنوها فقط بل حكّامها وطبقتها السياسية. ولقد أكلت هذه الوظيفة أغلب مناعة الدول في الدفاع عن «حدودها» و«سيادتها» أو حتى حمايتها من أخطار «ميليشيات آكلي الدول» أو اختراق «العدو» لتفاصيل تجعلها الأصدق غالباً.

كيف أصبحت «داعش» حقيقة في دول كانت أجهزة مخابراتها فوق الدولة بل عاشت الدولة نفسها سنوات في خدمة «الجهاز»…؟

كيف انهارت قدرات السيطرة على الحدود في بلاد لا صوت يعلو فيها إلا صوت الأجهزة الأمنية ولا تصرف على الطعام نصف ميزانيات المخابرات؟

ولماذا كان كل طرف في لقاء «حماس» و«فتح» في الدوحة وما بعدها يعتمد على طرف من روايات الموساد بينما كل تنظيم منهما لديه ترسانات من أجهزة مخابرات خاصة؟

الأجهزة الديناصورية نشرت التشكّك والتخوين والتصنيفات القائمة على الانتماء لها، وما يصاحب هذا الانتماء من نصوص الخرافات السياسية التي كان آخرها ما يتم تداوله عن بطولات وهمية مستوحاة من نسخة مطبوخة في سراديب الأجهزة من مذكرات هيلاري كلينتون.

وكأن الأجهزة بعد استخدام التخويف بقصص خرافية عن «العلكة المهيّجة جنسياً» و«الغاز المثير للأعصاب»… واستبدلتها بخطط بناء دول ديموقراطية لها مجال سياسي يحميها… هذه الأجهزة الآن تقف على أطلال هذه الدول تطلق خرافاتها في متاهة كابوسية.

ـ 3 ـ

لكن نهاية العالم ليست الآن…

أو على الأقل نحن أمام مرحلة فضح عجز هذه الدول المبتلعة من مخابراتها والتي كلما كان الابتلاع كاملاً كان استسلامها أسرع، وأقرب إلى المصائر التراجيدية لكيانات انقرضت…

والأجهزة التي قاومت ثورات الناس من أجل إعادة بناء الدول بقصصها الخرافية ها هي تلتئم من جديد تحت حلف دولي تقوده «أميركا» الشيطان الأكبر لمواجهة «آكلي الدول» أو مندوبي نهاية الحضارة والتاريخ والعالم…

هذا المشهد وحده كفيل بأن يكون مقدمة لبناء عقد اجتماعي يكون فيه الناس هم أسياد الدولة لا عبيدها المأمورين بأمر كهنة المخابرات.