لا شكّ في أنّ تبنّي فصائل منظّمة التحرير الفلسطينية شروطَ حركة «حماس» لوقفِ إطلاق النار، يشكّل دعامةً مهمّة في تكريس المصالحة الوطنية التي تمّ توقيعها بين سلطتي رام الله وغزّة.
إعتبارُ منظّمة التحرير الفلسطينية أنّ «مطالبَ غزّة هي مطالب الشعب الفلسطيني بأسرِه» أقفَل الباب أمام الرهان الإسرائيلي على انهيار المصالحة، لا سيّما أنّ تل أبيب أعلنَت في حينها على لسان كبار مسؤوليها رفضَها للمصالحة، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان قد دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس عشيّة تبنّي بنود إنهاء الخلافات بين حركتَي «حماس» و»فتح» في نيسان الماضي إلى «الاختيار بين المصالحة والسلام مع إسرائيل، لأنّ من غير الممكن تحقيق هذين الأمرين» .
مصادر ديبلوماسية عربية في موسكو تؤكّد أنّ الموقف الفلسطيني الموحّد تجاه الحرب الإسرائلية على غزّة، قد أحبَط الهدف الأساسي للعملية العسكرية، إذ إنّ تل ابيب كانت تراهن على انهيار المصالحة، الأمر الذي يفتح آفاقاً جديدة للاستمرار في حصارها لغزّة. وتعتبر المصادر أنّه على رغم تباين المواقف بين كثير من الدول العربية والإقليمة، فإنّ تقاربَ المواقف تجاه غزة ساهمَ بدوره في تعزيز الثقة بين الفصائل الفلسطينية ودفعَها للتشبُّث بالمصالحة.
وتكشف المصادر أنّ رفض «حماس» للمبادرة المصرية أثار استياءَ القاهرة وأنقرة، وبما أنّ العلاقة متوتّرة بين «حماس» والقيادة المصرية، فقد تولّد لدى بعض الأطراف تخوّف من أن ينعكس ذلك الاستياء سلباً على العلاقة مع السلطة الفلسطينية بعد تبنّيها مطالب «حماس»، لذلك دخلت بعض الأطراف لمعالجة الموقف واستدراك تفاقم الأزمة. من هنا دخل الأردن على خط التهدئة ورفَع مسوّدةَ قرارٍ إلى مجلس الأمن تطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزّة في أسرع وقت، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع. ويبدو أنّ تلك المساعي قد نجحت في احتواء اهتزاز العلاقات بين السلطة الفلسطينية وبعض عواصم القرار العربي.
وتؤكّد المصادر أنّ الحراك الديبلوماسي العربي والإقليمي ينصبّ في اتّجاه التهدئة ولكن من دون التراجع عن المطالب الأساسية، وفي مقدّمها إنهاء كلّ أشكال الحصار، وذلك من خلال الحصول على تعهّد من إسرائيل وبرعاية دوليّة للوصول إلى ذلك، خصوصاً أنّ تل ابيب لم تُنفّذ التزاماتها التي نصَّ عليها اتفاق الهدنة عام 2012.
وترى المصادر أنّ هناك إشارات إيجابية من عواصم غربية عدّة تجاه استخدام الجيش الاسرائيلي العنف المفرط في حقّ السكّان المدنيين في قطاع غزّة ولا سيّما منهم الأطفال والنساء، وهذا ما يتجلّى واضحاً في بيانات المفوّضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان التي تعتبر أنّ ما يجري في غزّة هو انتهاك لمبادئ حقوق الانسان، ويَرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.
وتقول المصادر إنّه على رغم إعلان وزير الخارجية الاميركي جون كيري إحرازه تقدّماً في مساعيه لوقف إطلاق النار، إلّا أنّه فعلياً لم يتوصّل حتى الآن إلى رؤية حول صيغة الاتّفاق المفترض، مؤكّدةً أنّ كيري جاء الى المنطقة بجعبةٍ خالية من الأفكار ويحاول أن يكوِّن تصوّراً مبدئياً لرسم معالم اتّفاق وقف إطلاق النار من خلال لقاءاته، وهذا ما ينطبق أيضاً على جولة الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون، لذلك فإنّ فرَص التهدئة لا تزال متعثّرة.
وترى المصادر أنّ الرفض الفلسطيني للمبادرة المصرية والأفكار الأخرى، هو من مبدأ عدم تكرار صفقة 2012 التي لم تؤدِّ إلى فكّ كلّ أشكال الحصار، الأمر الذي لم يتعهّد أيّ طرف إلى الآن ضمان تنفيذه، لذلك فإنّ حراك الديبلوماسية الدولية قد لا ينتج في الوقت الحالي وقفاً لإطلاق النار.