IMLebanon

قبعة لطارق متري

يترك طارق متري هذا الأسبوع منصبه رئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “أنسميل” وممثلاً خاصاً للأمين العام للمنظمة الدولية بان كي – مون في بلد عربي تعس. حسناً فعل قبل أن يتحوّل هذا الأكاديمي المرموق ثم الديبلوماسي المتمرس “وجيهاً” يحاول فك طلاسم العداوات القديمة والحزازات المستجدة بين الليبيين. حالت قيادته الجهود الدولية دون انهيار كان ولا يزال متوقعاً. أعان الله خلفه الإسباني برناردينو ليون.

ماذا كان على متري أن يفعله أكثر من إبقاء العملية السياسية قائمة في ليبيا التي جعلها العقيد معمر القذافي مملكة ممالك القهر والإستبداد في العالم العربي؟ تعامل القائد مع مواطنيه باعتبارهم “جرذاناً” و”جراثيم”. غير أن متري تأمل كثيراً من أبناء “ثورة 17 فبراير”. لم تغب بعد صور من بحت أصواتهم وهم يطالبون الأميركيين والغربيين بالتدخل بـ”كل الوسائل الضرورية” لوقف المذبحة التي كان يرتكبها النظام البائد في طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي. جهد الديبلوماسيون الليبيون المنشقون، وعلى رأسهم عبد الرحمن شلقم، من أجل اصدار مجلس الأمن القرارين 1970 و1973. تضرعوا من أجل أن تعبر الصواريخ والطائرات الحربية الأميركية والفرنسية والبريطانية الأجواء الليبية. كثيرون يلعنون الآن هذا الفصل الليبي وغيره من “الربيع العربي”. أي ربيع هذا الذي يعيد الناس الى الظلام والظلم.

أخفقت الطبقة السياسية التي نشأت في ليبيا ما بعد القذافي في الإفادة من “الحضور الإنساني” الدائم في شخصية متري، بل أنها فشلت في مواجهة تحديات قيادة هذا البلد الغني بكل الموارد. سمحت هذه الظروف بنشر ثقافة الثأر والإنتقام على نطاق واسع. تغلغلت الجماعات الإسلامية في النسيج الإجتماعي الليبي مجدداً. تعد البائسين على الأرض بحلاوات في الجنة. يفيد بعض التقارير أن التنظيمات الإرهابية تستفيد من الواقع الراهن وتعشش في كل مكان. قد لا يمر وقت طويل حتى تخرج الى العلن سيوف مجاهدي “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وغيره من التنظيمات الشبيهة بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش” و”جبهة النصرة”.

اضطرت البعثات الديبلوماسية، ومن بعدها بعثة الأمم المتحدة، الى مغادرة طرابلس التي تعاني فوضى عارمة في غياب حكم القانون والنظام العام. يزحف اليها اسلاميو مصراتة من جهة الساحل واسلاميو الزنتان من الغرب. الآتي ينذر بالمزيد من الخراب أيضاً بسبب الكتائب المتناحرة للسيطرة على المطار. ليس الوضع أفضل حالاً في بنغازي التي تشهد صراعاً دامياً بين الإسلاميين والقوات التابعة لخليفة حفتر.

كيف يمكن هذه الجماعات أن تعتنق مبادىء وقيما ينادي بها متري، ليس فقط حين كان وزيراً استثنائياً ناجحاً في لبنان فحسب، بل أيضاً باعتباره لاعباً ريادياً في حوارات هذا الزمن العصيب بين الديانات المختلفة؟

ليته يؤلف كتاباً عن تجربته الإستثنائية في ليبيا. سأرفع له قبعة.