لم يتفاعل الوسط السياسي اللبناني بعد بالمقدار الكافي مع الحدث المرعب الذي بدأ يبسط وقائع شديدة الخطورة في العراق لتبين ما اذا كانت القوى اللبنانية قد استوعبت بالكامل الاحتمالات والتداعيات الزاحفة التي يرتبها نشوء عملاق أصولي شرع عمليا في محو الحدود بين العراق وسوريا. نقول ذلك لا من موقع الشك في الخبرة الكافية للبنانيين في استشراف اخطار تطورات بهذا الوزن الزائد من التحولات المخيفة بل من منطلق اختبار بقايا تحسس او استشعار لمدى الرهان الممكن بعد على بقية باقية من حصانة ومسؤوليات لحماية لبنان بالحد الأدنى.
على جسامة ما يجري في العراق، وعلى وقع الرعب الذي يثيره ذاك الشيء المخيف الطالع هناك مهددا بتحويل كوابيس الحروب المذهبية الى حمامات دماء، لا نعتقد ان لبنان فقد الفرصة للمضي في عزل نفسه عن هذا الطوفان الدموي ما دامت تجربة التورط في الحرب السورية وعلى رغم انعكاساتها الكوارثية لم تسقط لبنان في النهاية حيث اريد له ان يسقط. لا يقف الامر هنا على التجربة الحكومية الحالية فحسب بل ينسحب على الخطوط الحمر الطوائفية والمذهبية التي لولاها لما بقي “حيط عمار” بين أهل البيت وأهل الكتاب. وتبعا لذلك نجدنا الآن متوجسين من طلائع التجربة التي يرجح ان تكون أقسى وأخطر ولو ان حدود العراق ابعد بكثير من الحدود مع سوريا.
هذا الشيء “الداعشي” الطالع مع ما يرتبه من تفجير محتمل لحمامات دماء مذهبية يضع لبنان ليس امام الامتحان الأقسى للمناعة التي بالكاد أمكن الحفاظ عليها بعد الانفجار السوري بل على مشارف تهاوي دولته تماماً ما لم يتم تدارك السباق القاتل بين مساري أزمته الرئاسية وأزمة ربطه القهري بالقوى الاقليمية المتورطة في بركاني العراق وسوريا. لا يخفى على احد معنى اعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط، وهذه المرة بأبشع الأدوات واخطرها وأشدها اثارة للفتن المذهبية والطائفية. وليس كلبنان صاحب باع طويل في تجارب التقسيم الواقعي ومعنى ذلك حين يغدو التقسيم فتحاً للاستباحة الشاملة.
لقد تمادى الافرقاء الداخليون وتحديدا الذين يعطلون الانتخابات الرئاسية في ترفهم الى حدود تجاوز الخطوط الحمر قبل انفجار المفاجأة العراقية المدوية والمذهلة في دلالاتها وتداعياتها وأخطارها. ولم يعد جائزا ولا مقبولا باي معيار الاستمرار في التمترس وراء معادلات التعطيل الفارغة والمفرغة للبنان من نظامه الدستوري وحصانته الأمنية والسياسية والأهلية. هذا الاستحقاق يضرب نفير الإنذار الاخير قبل ان يدهم لبنان ما يحتسب ولا يحتسب من الاحتمالات. وإذا لم يكن بعض المترفين قد استشعروا بعد موجات الزلزال الوافد بالمقدار الكافي فلا ندري ما اذا كانت التعويذات تكفي لرد هذه اللعنة.