… ويسألونك في الخليج العربي عن الانتخابات الرئاسية وعن المرشحين فيها وعن الذي تقدم إليها «حيث لا يجرؤ الآخرون»…
يتندرون بالطرائف والوقائع المستفزة التي رافقت الجلسة اليتيمة التي توافر نصابها وغاب عنها التفاهم تاركاً لمناخ التحدي أن يتكفل بفرطها.
كان اهتمامهم، وفيهم أهل نخبة، خليطاً من الفضول والإعجاب بهذه الحيوية التي تُميز اللبنانيين حرباً وسلماً، كما في فترات «الهدنة» الفاصلة بين جولتين من اللعب بالدم والنار.
« ـ إنها الانتخابات الوحيدة المتبقية في دنيانا العربية، بكل ما تأخذون عليها أنتم في لبنان. انتخابات تسبقها وتواكبها معارك سياسية عنيفة تحفل بمختلف أنواع الطرائف واللطائف والاتهامات الخطيرة إلى حد الإدانة بالخيانة العظمى.. تجمع بين من لا يجتمعون عادة، وتفرق بين «المتحالفين إلى الأبد»، وتعلي رايات الطائفيين وتلم فرقتهم تحت شعار «الديموقراطية بالطائفية» في وجه القائلين بالديموقراطية التقليدية المستوردة من مجتمعات مدنية غربية وغريبة عنا».
تحاول ان تشرح مبرراً أو مفذلكاً هذه الظواهر فيقاطعك من يعتبر نفسه خبيراً: هذه انتخابات رئاسية لن تكون فيها مساحة للصوت العربي! سوريا مغيبة مشغولة بذاتها حتى إشعار آخر، ومصر مشكلاتها ثقيلة وهمومها لا تترك لها وقتاً للاهتمام بكل من هم وما هو خارج حدودها.
تسأل بشيء من البراءة: وأنتم في الخليج، داخل مجلس التعاون، والأهم خارجه. أما قطر فحركتها مكشوفة، فماذا عن المملكة القائدة… أين السعودية؟!
يرد «أهل الحكمة»: المملكة حريصة على لبنان كما أكدت بسلوكها دائماً. لا تريد لكم إلا الخير… الأمر يتوقف عليكم.
يضيف كهل أعظم حماسة: لقد ساعدتكم على إقامة حكومة جديدة وجامعة… لولاها لبقيتم، بالتأكيد، بلا حكومة، ربما لشهور إضافية.
ترد بهدوء: هل تراها كانت تقدم هذه المساعدة لولا اقتراب موعد انتخاب الرئيس الجديد، والحرص على النظام الفريد نوعه في لبنان؟
ينبر «أهل الحكمة»: المنطقة تعيش تحولات مصيرية. الدماء تهدر غيلة في كل أنحاء الوطن العربي. في سوريا أساساً، ثم في العراق.. وها هي مصر مهددة بأن يزج بها في دوامة الدم، يتدفق عليها السلاح من الغرب والجنوب والشرق، وها قد بدأت تظهر فيها جماعات إرهابية مسلحة أصولية، وإن لم تكن بالضرورة إخوانية.. وها هو السلاح المتدفق من الفوضى الليبية ينتشر في مصر ويتجاوزها نحو سوريا عبر لبنان، وربما عبر تركيا.
يقول كهل رصين بلهجة المدقق: ألا تلاحظون تحركاً أميركياً نحو التهدئة في المنطقة؟! تكاد واشنطن تلعب، اليوم، دور «الوسيط» بين الرياض وطهران!
يضيف محلل إخباري ممتاز: هل قرأتم جيداً «التشكيلات الجديدة» في نظام الحكم السعودي؟! لقد سجل الملك عبد الله بن عبد العزيز سابقة سيكون لها ما بعدها بتعيين وليّ لوليّ العهد. لقد أعطى بطاقة تأمين إضافية للنظام، وعلينا الانتظار بعض الوقت قبل ان تتبلور الصورة وينجلي غبار المعارك البائسة التي خاضها الأمير بندر بن سلطان والتي عجلت في «خلعه».
يعود الكهل الرصين إلى الكلام: هذا يفسر «الإنجاز التاريخي»، كما أسماه البعض متندراً، بتشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد حوالي أحد عشر شهراً من الدوران في حلقة العجز المفرغة.
ويفلت مني سؤال بريء: وكم سننتظر في قلب الفراغ قبل أن يسمح لنا بأن يكون لنا رئيس جديد للجمهورية؟
يرد الكهل الرصين: اهدأوا قليلاً… ليس قبل الاطمئنان إلى تنصيب رئيس جديد هو المشير عبد الفتاح السيسي في مصر.. وليس قبل تثبيت الحكم القائم في العراق بطبعة منقحة، وقبل أن تعبر سوريا نفق الانتخابات الرئاسية كمدخل إلى تسوية يدفع ثمنها «الأصوليون» الذين تجاوز خطرهم بلاد الشام وبدأوا يهددون ما بعدها. اقرأوا أحوال مصر، واقرأوا مخاطر السلاح الليبي على دول الجوار، واقرأوا جيداً استشعار دول الخليج لهذه المخاطر على أوضاعها في المستقبل القريب في تكاتفها لمحاصرة قطر وعزلها وكأنها مصدر خطر، الآن، على أهلها، وليس على «الخصوم» فحسب.
توقف «التحليل» مخلياً المساحة «للتخمين»: ربما مع نهاية الصيف.. لكن بالتأكيد قبل الانتخابات الأميركية.
دار نقاش كاد يتحول إلى فوضى لولا أن عاد الكهل الرصين إلى حسم النقاش بقوله: خلال شهرين سيكون في مصر «عهد جديد» في قلب الاضطراب، ولكن مع قدرة على القرار. وسيكون في العراق «عهد متجدد» بصيغة تعكس الطور الجديد للعلاقات الإيرانية ـ السعودية عموماً مع احتمالات تأثيرها المباشر في الأوضاع في العراق خصوصاً وسائر بلاد الشام، وسوريا بالذات.. وهذا كله يسهل الأمور عليكم في لبنان، فيكون لكم رئيس جديد ويذهب أهل الخليج تحت القيادة السعودية لتقديم التهنئة!
حاول بعض «المتطرفين» المشاغبة فعاد الكهل الرصين يقول مختتماً هذه التوقعات الافتراضية: اقرأوا ما جرى في طرابلس جيداً تقرأوا اسم رئيس الجمهورية الجديد في لبنان.. واقرأوه بالفرنسية مترجماً من الانكليزية باللكنة الأميركية.