الرئاسة عالقة.. والتمديد النيابي ينتظر الثمن السعودي
قراءة مكابرة للخطر الداعشي.. والأولوية للمكاسب!
لم تغير «داعش» من السلوك اللبناني. خطرها الذي يحدق بالمنطقة كلها لم يستدع أي تغيير في الأولويات. فضّل اللبنانيون التعامل مع «دولة الخلافة» بوصفها مادة للسخرية أكثر مما تعاملوا معها بوصفها حدثاً يستدعي دق النفير العام.
حتى دعوة السيد حسن نصر الله لوضع الخلافات الداخلية على حدة وجعل مواجهة خطر داعش «أولوية مطلقة»، لم تلق الاهتمام. الأغرب أنه لا يزال في لبنان من يكابر على الخطر الداعشي. من يعتبره حالة شاذة انتهت مع انتهاء معركة عرسال.
يفضّل الفريق المكابر الابتعاد عن الواقع. بالنسبة له، هذا يحميه من دفع ثمن سياسي. فالاعتراف بالخطر الداعشي يعني عملياً الاعتراف بنجاحه باختراق ساحة الاعتدال أولاً، وبعدم القدرة على مواجهة تمدده ثانياً.
تتقاطع تقارير استخبارية عديدة عند تأكيد إمكانية تكرار تجربة عرسال في أي منطقة من لبنان، ولا سيما في الشمال والبقاع. تشير التقديرات الأمنية إلى أنه من السهل نظرياً أن يستفيق اللبنانيون على إعلان إمارة هنا أوهناك. مع ذلك يرفض الفريق المكابر الاعتراف بهذا الخطر.
باختصار، القراءة اللبنانية لخطر «داعش» لا تزال متضاربة، وهي لا تعتمد على معطيات واقعية، بقدر اعتمادها على تقديرات الربح والخسارة.. سياسياً.
بالنسبة لتيار «المستقبل»، ثمة قناعة بأن الخطر الداعشي لا يأكل من حصة «التيار» بل على العكس، يساهم في تعزيز موقع الاعتدال. وعليه، فإنه كلما اشتد هذا الخطر اشتدت الحاجة إلى المعتدلين. ثمة في «المستقبل» من يؤمن بأن الحالة التكفيرية لا تمثل في طرابلس، على سبيل المثال، أكثر من 5 بالمئة، وبالتالي فهو يتعامل مع مناطقه على قاعدة أن جذور «التيار» متينة، فيما التكفيريون طارئون. هذه القراءة، تعطي الثقة لـ«المستقبل» بأنه سيكون كرسيه محفوظاً على طاولة أي تحالف قد ينشأ لمواجهة «داعش»، لأنهم قادرون على مواجهته في بيئته. هذه القراءة تقود بعض المستقبليين إلى التأكيد أن الأولوية يجب أن تكون اليوم لدعم «التيار» سياسياً.
المفارقة أن بعض العاملين في الأمن يملكون قراءة معاكسة. هم ليسوا واثقين من قدرة «المستقبل» على مواجهة «داعش»، بل على العكس، يتخوفون من قدرة التنظيم التكفيري على قضم شارع «المستقبل»، كما حصل في عرسال، التي لا يشك كثر بأنها لا تزال محتلة، بشكل أو بآخر، من قبل التنظيمات التكفيرية.
تفترض كل الأخطار المحدقة في البــلد، الانتهاء من الملفات السياسية المتراكمة، أو على الأقل الإعلان عن تأجيل البحث فيها ريثما تنتهي المواجــهة مع «داعش». لكن ذلك، يمكن أن يعيد الخلافات إلى المربع الأول، إلى مربع الاختلاف على تقييم خطر «الدولة الإسلامية» أولاً، وإلى العناد المتبادل والســعي إلى تحقيق مكاسب سياسية ثانيا.
عند هذا المفترق، تقف الانتخابات الرئاسية. حتى الآن لا شيء جدياً. حتى حركة الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط تأخذ طابع تقطيع الوقت أكثر مما تنحو باتجاه البحث عن حلول جدية، وهي لا تزال تنتظر الإشارات الإقليمية. يبدو جلياً أن التطورات السياسية في العراق وتأثيراتها الايجابية على العلاقة بين إيران والسعودية لم تصل حرارتها إلى لبنان.
كل من قصد إيران سمع منها تأكيداً أن ملف الرئاسة اللبنانية في يد السيد حسن نصر الله، ومن قصد نصر الله أحاله بدوره إلى الرابية، معلناً أن مفتاح الحل والربط يحمله العماد ميشال عون.
في المقابل، تبدو الأولوية السعودية المطلقة هي التمديد للمجلس النيابي. لا تحتمل المخاطرة بالوصول إلى فراغ يؤدي إلى «مؤتمر تأسيسي» قد يعرّض «الطائف» للخطر. ذلك دونه ثمن واضح بالنسبة للرئيس نبيه بري: لن أمدد للتعطيل، ومن يسعَ للتمديد فعليه قبلاً أن يعيد الحياة إلى المجلس النيابي.
من جهته، لم يكن الحريري بعيداً. عرض على بري عندما التقاه استعداده للبحث في كل الملفات العالقة، على قاعدة عدم المس بالمقاومة. ذلك أيضاً دونه عقبة عدم استعداد «حزب الله»، في هذه المرحلة، للبحث بخيار رئاسي يبعد عون.
يتردد أن الأميركيين لا مانع لديهم من مجيء عون لكنهم غير مستعدين، في المقابل، للضغط بهذا الاتجاه. الفرنسيون فشلوا في تكريس مبدأ البحث عن بدائل. لم يبق إلا السعوديون. يجزم مصدر مطلع من «8 آذار» أنه إذا أرادت المملكة أن تقوم بخطوة ذات مغزى، تؤكد اعترافها بالتنوع، فعليها أن تدعم رئيساً قوياً، ما دامت تسمع تعهدات بأن «الطائف» سيبقى بمنأى عن أي خطر، مهما كان اسم الرئيس.