في منتصف هذه الليلة، تطفأ الاضواء في قصر بعبدا، وتغلق الابواب، ويسود الصمت والحزن في القصر، فسيّده الرئيس العماد ميشال سليمان، يغادر القصر حزيناً بدوره، لانه يسلم القصر والأمانة الى رئيس الفراغ، المنتخب من قبل فريق، رفض ان يلتزم بالنظام الديموقراطي وبمبدأ المداورة في الحكم، مصراً على التعطيل القاتل.
القصر الرئاسي، الذي حوّله الرئيس سليمان وعائلته طول ست سنوات، الى بيت لبناني، يسوده الدفء وتحكمه المحبة، حزين.. حزين… سيده النبيل مغادر، والخشية تكبر عنده، ان يعود العشب ويأكل الطريق اليه، وان يتردد صدى الفراغ بين جوانبه وفي غرفه، بعدما عمل سيده طول ست سنوات سمان، على قلع العشب من دروبه، وفتح ابوابه امام كل اللبنانيين وكل العالم.
القصر الرئاسي، حزين وخائف، حزنه على سيّد مغادر نهائىاً، عاش معه اجمل ساعات السيادة والحرية والكرامة واحترام الذات، وخائف من مستقبل مجهول، قد يكون سيده الفراغ، او الوحشة، او الحقد.
القصر الرئاسي، كما الشعب اللبناني، يعيشان اليوم الحزن والقلق، الاحداث الصعبة تثقل الصدور، وحلاّل المشاكل والمصاعب، بحكمته، وطيبته وتجرّده ووطنيته، غادر القصر، ولم يعد رئيساً.
الرئيس سليمان، يترك القصر الرئاسي الى بيته في عمشيت، والى قلوب الاكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين احبّوه، واحترموه، ووثقوا به رئيساً مؤمناً بربه ووطنه وشعبه وبالديموقراطية والحرية والسيادة والاستقلال، وبالدستور انجيله في الحكم والسياسة.
من اجل لبنان، وسلامته، وسلامة شعبه، تجاوز الاهانات، والاتهامات، والحملات، لا يهمّه في شيء سوى ان يبقى لبنان بمنأى عن الفتنة والتقاتل، وان يفي بما اقسم عليه، في احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه، والذين اختلف معهم، داخل لبنان وخارجه، كانوا يريدون بمعرفة او بدون معرفة الاطاحة بالدستور والقوانين والاستقلال وسلامة الارض.
***
الزميلة نوال نصر نقلت في مقال لها لمجلة المسيرة، قولا للسفير البابوي الاسبق في لبنان بابلو بوانتي عن البطريرك الماروني نصرالله صفير، ينطبق تماما على الرئيس ميشال سليمان وعلى ما قاله فيه في يوم مصالحة بريح الشوفية، النائب وليد جنبلاط. يقول بوانتي:
«التاريخ هو من سينصف البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، ويجب الاصغاء اليه، ولو تم هذا ليس اليوم، بل منذ البداية، لكان كثيرون من القتلى، بقوا احياء، وكثيرون من المعوقين بقوا معافين…»
الذين لم يصغوا الى الرئىس سليمان، ولم يتوقفوا امام نصائحه وتوجيهاته وتحذيراته، خسروا كثيراً، وخسر معهم لبنان اكثر، وسوف يخسرون ولبنان، الكثير الكثير، إن هم استمروا في ضياعهم وعنادهم وقلة ادراكهم للمخاطر المحدقة بهم وبلبنان وشعبه.
الشيء الاكيد الذي اعرفه عن الرئيس سليمان، ان عودته الى مسقطه عمشيت، لن تكون نهاية مشواره الطويل الحافل، كضابط وكقائد للجيش وكرئىس للجمهورية، بل ان الملعب السياسي اللبناني، سيشهد مشاركة لاعب جديد، لا يرتكب فاولات او انذارات، بل يلعب بشرف ونزاهة وروح رياضية كما دائماً، واذا كان العشب قد ينبت على طريق قصر بعبدا، فهو بالتأكيد بعيد عن طريق بيت الرئىس العماد ميشال سليمان.
الشعب يحبك يا فخامة الرئىس ، وانا احبك. وكلماتي اليوم المكتوبة عبر القلم المهدى منك، ما هي الا تعبير عما اشعر به تجاه رئىس صديق، اعتزّ به رئىساً وصديقاً.