في الوقت الذي كان فيه الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية يردّ بالأمس على الذين يهاجمون الاستفتاء الذي سيجريه التيار العوني للتوصل إلى تحديد الأسماء الرئاسيّة الوازنة لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، ويُؤكد أنّه «لا نفرض شيئاً على احد»، كان «الناطق» شبه الرسمي بلسان نظام بشار الأسد، النائب سليمان فرنجية يُعلن أنّه «إذا ربح مشروع 8 آذار فسيكون ميشال عون رئيساً للجمهورية، أما إذا ربح مشروع 14 آذار فأشك أن يكون الدكتور سمير جعجع رئيساً للجمهورية، وأخاف عندها أن يأتي رئيس من الدرجة الثانية أو الثالثة، لذلك نحن نعتبر أن الرئيس المقبل سيكون مؤشراً للمسيحيين في كل الشرق»، فعَلامَ إذن إجراء هذا الاستفتاء؟!
وإذا كان «الحكيم» اعتبر أنّ الاستفتاء «يأتي ليؤكد أسود على أبيض من هي القوى الرئيسية وتحديداً القوتيّن الأساسيتيّن المسيحيتيّن لأنّ من شأن ذلك أن يدفع الآخرين إلى احترام هذا الواقع نسبياً»؛ فإنّ ما سمعناه من «الثرثرة» المسبقة على حافّة استباق نتائج الاستفتاء لا توحي بالإطمئنان نهائياً، بل نذهب إلى قول أكثر من هذا، بأنّه وانطلاقاً من ثقة الدكتور سمير جعجع من وزن «القوّة القواتيّة» في الساحة المسيحيّة، لذلك لا يُـمانع من إجراء هذا الاستفتاء خصوصاً أن من سيجريه والمطالب به بشدّة هو خصمه السياسي، والذي سبق ونظّم استفتاء تحت نفس العنوان قبيل نهاية فترة ولاية الرئيس ميشال سليمان وعندما وجد هذا الفريق أنّ النتيجة لم تكن في مصلحة النائب ميشال عون أعلن عن إلغاء الاستفتاء وعدم رغبته في إجراء استفتاءات، بعدما بدأت تتسرّب نتائج ليست في صالح ما ابتغاه منظّمه من ورائه!!
ونذهب أيضاً إلى قول أكثر من هذا؛ إنّ «حكمة» الدكتور سمير جعجع تجعله مطمئناً واثقاً أنّ هذا الاستفتاء ستُظهر نتيجته من هو المسؤول الحقيقي عن تعطيل انتخابات رئاسة الجمهوريّة، وأنّه حتى لو قبل الجنرال ميشال عون بنتيجة الاستفتاء أو بأرجحية الدكتور سمير جعجع ـ إفتراضاً حتى لا يُقال إننا نستبق النتائج ـ فإنّ حزب الله ومعه إيران ونظام «القاتل» بشّار الأسد لن يقبلوا نهائياً بنتيجة الاستفتاء بل وسيعطّلونها، وأنّ هذا الرّفض سيُحرج أوّلاً ميشال عون وتيّاره، لأنّه هو صاحب الفكرة والمنظّم للاستفتاء، وعندها سيُسقَط في يد التيّار أمام الجمهور المسيحي عموماً وجمهوره العونيّ خصوصاً، وفي الحاليْن القوات اللبنانيّة وقائدها لن يخسرا شيئاً كحزب سياسيّ «جديّ جدّاً»، كما ستحافظ على مصداقيتها أمام الشارعيْن المسيحي واللبناني عموماً، لأنّ النائب ميشال عون حتى لو فاز في استفتاء الشارع المسيحي فالشارع الوطنيّ العام والسُنّي تحديداً مقفلٌ في وجهه برفض من فولاذ لتجربته معه في العام 1989 وخياره الانتحاري في «حرب التحرير»، إضافة إلى أنّه لا يحظى إلا بتأييد نصف الشارع الشيعيّ الذي يمثّله حليفه الإيراني حزب الله، لأنّ كتلة الرئيس نبيه بري لا يبدو حتى الآن أنّها في وارد منح أصواتها لميشال عون!!
ما نخشاه حقيقة أنّ الاستفتاء حتى وإن تمّ بشكل نظيف ولا تشوبه شائبة، فإنّه سيضع المسيحيين اللبنانيين أمام مأزقٍ حقيقي وهو أنّهم لن يستطيعوا فرض نتيجته على اللبنانيين الآخرين، بل حتى اللبنانيين أنفسهم وبشكل عامّ سيتيقنون بلا رِيَبٍ من أنّهم ليسوا هم ولا نوابّهم من ينتخب رئيس لبنان، وأنّه يأتي نتيجة «توافقات» دوليّة وإقليميّة ـ مهما كان حجمه السياسي والتمثيلي ـ تماماً مثلما حدث مع الراحل الرئيس الياس الهراوي أو الرئيس ميشال سليمان أو الرئيس الراحل فؤاد شهاب، وأنّ هذه التوافقات متى انقلبت إلى صدامات يدفع ثمنها لبنان وحده فيبقى بلا رأس، وأنّ الصدامات متى انقلبت إلى توافقات فحتى الجنرال ميشال عون لا يستطيع أن ينقلب عليها مثلما حدث في أيار العام 2008 حيث كان في محور المنتصر العسكري على الأرض ومع هذا لم يوصله هذا التحالف مع حزب الله إلى سدّة الرئاسة، لأنّ حزب الله نفسه لا يستطيع أن يأتي برئيس وجلّ ما يستطيع أن يفعله هو التعطيل بالقوة، والسيناريو نفسه يتكرّر أيضاً هذه المرّة!!
وقد يسأل قارئ: إذن ما الفائدة التي سيجنيها المسيحيون من هذا الاستفتاء إن أفضى إلى هذه الحقيقة؟! وسنجيب نعم هناك فائدة كبرى: سيعترف الخصمان اللدودان بقوة بعضهما البعض، وسيتخلّص المسيحيّون نهائياً من «أثقال» مقولة «الأربعة الكبار» أو «العشرة الكبار» وستتحدّد الأحجام نهائياً وهذا سيحتسب لصالح التمثيل الحكومي لاحقاً في أي حكومة مستقبليّة، فلا يتجرّأ أصحاب التمثيل من الدرجة الثالثة والرابعة على المطالبة بحصص وزاريّة أكبر من حجمهم بكثير، هذا أولاً…
أمّا الفائدة الثانية التي سيجنيها لبنان عموماً، فهي ما سترتّبه نتيجة الاستفتاء من أمر واقع ـ قد لا يعجب الكثيرين أن نشير إليه بالإصبع ـ وقد حان الوقت ليعترف به مسيحيو لبنان أولاً، ومسيحيو ومسلمو لبنان ثانياً، أنّهم آن لهم أن يطالبوا بإدخال تعديلات جذريّة على كل الموادّ التي تعطّل الحياة السياسيّة في «اتفاق الطائف» الذي ساير فيه العرب «النظام السوري» ومصالحه كثيراً على حساب وضدّ مصلحة لبنان أيضاً، وهو ما ندفع ثمنه اليوم ، ثمّ المطالبة بأن يضع المشرّعون شرحاً واضحاً لا لبس فيه لكلّ الموادّ التي ساد «تواطؤ» على تركها مُبهمة في «اتفاق الطائف» وذلك إمعاناً في تعطيل الحياة السياسيّة، وأن يطالبوا أيضاً بإعادة عدد النواب إلى ما نصّ عليه اتفاق الطائف قبل أن يتولّى النظام السوري زيادته إلى 128 نائباً لتعطيل الحياة السياسيّة في لبنان بما يتناسب ومصالح نظام خرج عسكرياً من لبنان ولكنّه لم يخرج أبداً من نظامه السياسي!! جدّياً، إن أفضل ما سيقدّمه لنا هذا الاستفتاء، هو تكريس عُرْفٍ يُتيح لمسيحيي لبنان معرفة ممثليهم الأقوياء بعيداً عن الصراع والحروب المختلفة لأننا وبصدق شديد نقول: إنّ أزمة انتخاب رئيس للبنان التي فضحتها الحرب الأهليّة في العام 1976 هي أزمة كبرى وقائمة منذ استقلال لبنان، وذلك بصرف النظر عن وجود أو رغبة ميشال عون ـ التي يُفترض أن تكون الأخيرة هذه المرة ـ في الوصول إلى كرسي الرئاسة، أو رغبة أي «ماروني» قد يظنّ لاحقاً أنّه هو الممسك بيده زمام تعطيل أو سير انتخابات الرئاسة في لبنان!!