رفعَ منسوب المخاطر التي تتهدَّد المنطقة والعالم نتيجة تنامي الحركات التكفيرية، من مستوى الحراك الدولي والإقليمي لحشد الجهود ومكافحة الإرهاب. وأقرّ الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنّ القضاء على «سرطان» مثل «الدولة الإسلامية» (داعش) لن يكون سهلاً ولا سريعاً. فيما لبنان الذي يعيش هزّات ارتدادية لكلّ ما يجري في المنطقة ما زال ينتظر تنفيذ الوعود بدعمه وبتسليح قوّاته المسلحة لدرءِ الخطر الإرهابي الذي يتهدَّده.
وفي هذه الأجواء، استدعى رئيس مجلس النواب نبيه بري سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والممثل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي لمطالبة المجتمع الدولي بالإسراع في دعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية وتجاوز الآلية التقليدية والبروتوكولية لتلبية هذه الحاجات المُلحّة سريعاً.
جسر جوّي
وقال برّي أمام زوّاره مساءَ أمس إنّه تعمَّد الاجتماع بالسفراء بصفتهم «خمسة زائداً واحداً» في اعتبار أنّ بلامبلي هو ممثل الأمم المتحدة، وقال لهم «إنّ هناك مواضيع كثيرة للبحث معكم فيها، كالاستحقاق الرئاسي والنازحين السوريين وينابيع المياه الحلوة في البحر، لكنّني سأكتفي بموضوع واحد هو الجيش وتسليحه استناداً إلى اللوائح التي قدّمها قائد الجيش عن حاجات المؤسسة العسكرية.
لبنان لا يعرف ديناً معلّقاً في ذمّته ويجب تجاوز الإجراءات الروتينية لإيصال السلاح الى الجيش، بل أطلبُ تأمين جسر جوّي للجيش لأنّه يخوض معركة ضد الإرهاب، وهذا هو أساس طلبي للاجتماع».
وفي هذا السياق استشهد برّي قائلاً للسفراء: «عام 1983 قُصِفنا بالأسلحة الاميركية، وعندما تألّفت أول حكومة بعد ذلك عام 1984 سدّدنا ثمن القنابل التي قُصِفنا بها. ولذلك لا بدّ من تجاوز الشكليات الروتينية لتأمين حاجات الجيش من السلاح». وبعد مداخلة برّي تناوَب السفراء الحاضرون على الكلام وأكّدوا دعمَهم للجيش ومَدَّه بالسلاح، بدءاً بالسفير الاميركي ديفيد هيل.
وفي السياق نفسه اتّصل بري بالرئيس سعد الحريري واستعجله وضعَ هبتَي المليار الدولار والثلاثة مليارات دولار السعوديتين موضعَ التنفيذ لتسليح الجيش. وعوَّل على زيارة وليّ العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز لباريس في الايام المقبلة لتحريك هِبة الثلاثة مليارات دولار السعودية التي من المقرر ان تُسيَّلها الادارة الفرنسية أسلحةً وعتاداً للجيش اللبناني.
هيل
من جهته، نوَّه السفير الاميركي بإجراءات الحكومة لمواجهة المجموعات المسلّحة، ورأى أنّه «بلا رئيس للجمهورية، فإنّ الوحدة الكاملة اللازمة لمواجهة التحدّيات في لبنان منقوصة»، مشدّداً على أنّ «رئيس الجمهورية هو رمز وحدة البلاد، وعندما يكون هناك شغورٌ في هذا الموقع الأساسي، فإنّ لبنان يكون الأضعف، وبالتالي أصدقاء لبنان يصبحون أضعف، ونتيجة ذلك يربح المتطرّفون».
وأكّد هيل أنّ «اختيار الرئيس يعود إلى اللبنانيين فقط، لكن على القيادات اللبنانية خلق المقوّمات سريعاً من أجل انتخاب رئيس، في سبيل وحدة لبنان واستقراره».
بطاركة الشرق
إلى ذلك، ومتابعةً لزيارة بطاركة الشرق إلى العراق للاطّلاع على أوضاع المسيحيين المهجّرين، يترَأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الثالثة بعد ظهر اليوم في بكركي اجتماعاً لهؤلاء البطاركة في حضور سفراء الدول الخمس الكبرى، وعلمَت «الجمهورية» أنّ «اللقاء سيركّز على أنّ هناك مَجزرتين تُرتكبان في حقّ مسيحيّي الشرق، الأولى هي تهجير مسيحيّي العراق من أرضهم، والثانية دستورية في لبنان تتمثّل باستمرار الشغور في الموقع المسيحي الأوّل في الشرق، أي رئاسة الجمهورية اللبنانية. وسيدعو الدوَل الكبرى إلى تحمّل مسؤولياتها.
وستركّز قمّة بكركي أيضاً، على إنتاج حلول ووضع خطّة سريعة تشارك فيها الدول الكبرى لإنقاذ الوضع المسيحي المشرقي، على أن يغادر الراعي غداً إلى الفاتيكان لإطلاعه على نتائج زيارته والبطاركة للعراق وعلى قمّة بكركي، ورفع مذكّرة بالمطالب التي يجب تحقيقها، ليعود إلى بيروت في 2 أيلول.
المطران عون لـ«الجمهورية»
إلى ذلك، أكّد راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون لـ«الجمهورية» أنّ «القمة تأتي استكمالاً للعمل الذي بدأته البطريركية المارونية وبطريركيات الشرق لمساعدة مسيحيّي العراق ومعهم مسيحيّو سوريا الذين تعرّضوا لأبشع أنواع التهجير»، لافتاً إلى أنّ «أهمّية القمّة تكمن في أنّ البطريرك الراعي استدعى سفراء الدول الخمس الكبرى للطلب منهم التحرّكَ من أجل المسيحيين المهجّرين، بعدما تخلّى المجتمع الدولي عن دوره ليقفَ متفرّجاً على المأساة».
لا إنسحاب
في غضون ذلك، وخلافاً لما تمّ تداوله في الإعلام أخيراً عن انسحاب «حزب الله» من سوريا في المدى المنظور، أو أن يكون قد فاتحَ إيران بمسألة انسحابه، أكّدت معلومات لـ«الجمهورية» ان ليس في الأفق ما يشير إطلاقاً الى نيّةٍ للإنسحاب، خصوصاً أنّ التطورات الأخيرة ولا سيّما منها في عرسال، أثبتت ـ كما يعتبر الحزب ـ أنّ المهمة التي يقوم بها في المناطق الحدودية، شمالاً وشرقاً في الجانب السوري هي مهمّة جداً لحماية الداخل اللبناني.
«8 آذار»
وقالت مصادر قيادية رفيعة في فريق 8 آذار لـ«الجمهورية» إنّ زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان الى السعودية هي خطوة كان ينتظرها الجميع، لأنّ التقارب السعودي ـ الايراني هو مفتاح لحلّ أزمات المنطقة. فحسناً أن يحصل هذا التواصل، لكنّنا ما زلنا في البدايات».
وتحدّثت المصادر عن مناخ دولي ـ اقليمي يجمع على التهديد والخطر الشديد الذي تمثله الظاهرة الإرهابية «داعش» ووجوب مواجهته بكل الوسائل والسُبل الممكنة. وأشارت الى أنّ بعض الدوَل التي راهنت على امكانية الاستفادة من نتائج الضربات الارهابية بدأت تستشعر الخطر نفسه بعد القلق الذي انتابها حاليّاً من إمكان ان ترتدّ هذه الظاهرة الى داخلها».
وقالت: «الجميع يشعرون بالخطر وبضرورة بذل الجهود لدرئه، وفي مقدّمهم السعودية، لأنّ المسرح الذي تحرّكت فيه «داعش» ليس بعيداً من حدودها الشمالية».
وأسفَت المصادر بشدّة «لأنّ العالم كله يتحدّث عن خطر «داعش»، فيما البعض في فريق 14 آذار لا يزال يستخفّ به ويعتبره مزحةً ولا يعترف بوجود «داعش» أصلاً أو بأنّه يشكّل خطراً على لبنان والعالم، حتى إنّ ما جرى في عرسال لم يشكّل أيّ مؤشّر لهم، بل عمدوا إلى تكرارالمعزوفة نفسها: «سببُ ما يحصل هو مشاركة «حزب الله» في المعارك في سوريا»، فلم يعُد أحد في العالم يرى تدخّل الحزب في سوريا مشكلة سوى فريق 14 آذار، وهذه جزء من حملته المتواصلة على سلاح الحزب».
«داعش» تهدّد
وفي تطوّر لافت، أعلنَت «داعش» أنّها ستقتل جنديّاً لبنانياً من الجنود المخطوفين لديها كلّ 3 أيام في حال استمرّ «حزب الله»، في عرقلة المفاوضات مع الحكومة اللبنانية.
وقالت «داعش» في بيان لها أمس: «قبلَت الدولة الإسلامية – ولاية دمشق – قاطع القلمون، أن تدخل في مفاوضات غير مباشرة مع الدولة اللبنانية للإفراج عن الأسرى لديها مقابل الإفراج عن بعض المعتقلين، واحترام حقوق النازحين وصَون كرامتهم.
ولكنّ حزب اللات وبسبب تحكّمِه بمفاصل الدولة اللبنانية قام بأعمال إجرامية الهدفُ منها عرقلة المفاوضات، من حَرقٍ للمخيمات وتهجير النازحين والقيام بحملة اعتقالات ومنعِ المنظمات من دخول عرسال وتقديم مواد إغاثية وأدوية للأطفال. لذا نُثني على الدولة اللبنانية أن لا تكون سبباً في قتل ما بين أيدينا من أسرى، فالعينُ بالعين والسِنّ بالسنّ والجروح قصاص.
أنتم ترفضون المفاوضات بعرقلتِها وتُضيّقون على النازحين، ونحن ننذركم بأنّنا سنقوم بقتل أوّل عسكريّ ممّن بين أيدينا بعد 24 ساعة، ويليه قتلُ عسكريّ كلّ 3 أيام من تاريخ هذا الإنذار إذا لم يتمّ تحييد حزب اللات عن المفاوضات والبدء بعمل جدّي من قِبل الحكومة اللبنانية للوصول الى حلّ لهذه الأزمة التي تمّ توريط الجميع بها بخدعةٍ من حزب اللات. وقد أعذِر من أنذر والسلام على من اتّبع الهدى.»
تكليف ابراهيم
وإلى ذلك، ظلت قضية الأسرى العسكريين لدى الارهابيين الشغل الشاغل للجميع، وقد طرَأ تطوّر لافت على هذا المسار، حيث كشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ الحكومة تتّجه بعد تردّد، الى تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم العملَ على خط المفاوضات لاستعادة العسكريين المخطوفين من المجموعات الإرهابية في جرود عرسال وتلال القلمون السورية.
ولم تستبعد المصادر ان يتناول مجلس الوزراء هذا الموضوع في جلسته غداً، ما يعطي الضوء الأخضر لإبراهيم لكي يجري اتصالات بتركيا وقطر وبأطراف وشخصيات يرجّح أن يكون بينها مسؤولون سوريون.
وأوضحت هذه المصادر أن لا لزوم لقرار يتّخذه مجلس الوزراء، لأنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق يستطيع التفاهم مع إبراهيم لكي يبدأ الأخير الإتصالات الضرورية المناسبة، فالفريق الخاطف هو نفسه الذي كان يحتجز حرّية راهبات معلولا ومعهنّ مجموعة من المواطنات والمواطنين اللبنانيين والسوريين.
وذكرت المصادر نفسها أنّ التقويم النهائي الذي أجراه المشنوق وابراهيم على هامش اللقاء الموسّع مع اهالي العسكريين المخطوفين إنتهى الى تصوّر معيّن يمكن ان يشكّل انطلاقة للبدء بالإتصالات الجدّية في هذا الاتّجاه.
وأشارت الى أنّ إبراهيم الذي لم يزُر قطر بعد، قد زار تركيا بداية الأسبوع الماضي لكنّه لم يتناول مع المسؤولين الكبار فيها هذا الموضوع مباشرةً، بل كانت لزيارته أهداف أخرى لها علاقة بملفات عدة مفتوحة بين الجانبين اللبناني والتركي تتّصل في جوانب منها بملف إستمرار خطف مطرانَي حلب بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم والمصوّر الصحافي سمير كساب، علماً أنّ القيادة الأمنية التركية كانت منشغلة الى حدّ بعيد بالإنتقال الدستوري الجاري في انقرة بعد انتخاب رجب طيّب اردوغان رئيساً للجمهورية والتحضيرات الجارية لتأليف الحكومة الجديدة، إضافةً إلى التطوّرات الأمنية في شمال العراق على يد «داعش» التي باتت منتشرة على طول الحدود التركية مع العراق.
وأوضحت المصادر أن لا علاقة لهذا التطوّر بتوقّف «هيئة العلماء المسلمين» عن وساطتها في الملف، بعدما ذهبَت بعيداً في تبنّي مطالب الخاطفين، ولا سيّما المبادلة بين العسكريين وعدد من الموقوفين الخطرين في لبنان، والتي اصطدمَت بحواجز عدّة أبرزُها رفضٌ عبَّرَ عنه رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الداخلية والقيادات العسكرية، إضافةً إلى التناقضات بين مطالب الجهات الخاطفة نفسها، إذ إنّ لكلّ فصيل موقفاً ومطلباً. ولذلك فستكون أولى الخطوات التثبُّت من المطالب بنحوٍ واضح وصريح من مراجع موثوقة.
أزمة المياومين
إلى ذلك، راوحَت أزمة مياومي الكهرباء مكانها أمس، فيما سُجّل تطوّران فيها، الأوّل تمثّلَ في دخول وزير العمل سجعان قزي على الخط باستقباله وفداً من نقابة المياومين، وتأكيده أنّه يرفض من موقعِه تهديدَ العمّال. والثاني تمثّلَ في قرار إدارة مؤسسة كهرباء لبنان بإخلاء المبنى من جميع الإداريين والموظفين، واعتبار المبنى محتلاً، والطلب من القوى الأمنية ان تتسلّمه. وتمنّت المؤسسة على وزير الطاقة عرضَ القضية في مجلس الوزراء.
وفي سياق متصل، قرّرت نقابة عمّال مؤسسة كهرباء لبنان ومستخدميها إمهالَ مجلس الوزراء لحلّ هذه المعضلة، فإذا لم يعالج هذا الوضع الشاذ، ستعقد اجتماعاً طارئاً بعد غد الجمعة لإعلان خطوات لاحقة من بينها الإضراب.
درباس لـ«الجمهورية»
في ملفّ النازحين، توقّعَ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن يؤدّي قرار إعفاء النازحين السوريّين المخالفين لنظام الإقامة، والذين يرغبون في العودة إلى بلادهم، من الرسوم المترتبة عليهم، إلى تحفيز 10 إلى 15 في المئة كحدّ أقصى من النازحين الموجودين في لبنان على المغادرة.
وكشفَ درباس لـ«الجمهورية» أنّ نحو 1700 نازح سوري تركوا لبنان بعد أحداث عرسال، نتيجة تسهيل مغادرتهم إثر اتصال وزير خارجية لبنان بالسفير السوري والتنسيق بين البلدين». ولفتَ، ردّاً على سؤال، إلى «أنّ مخيّمات النازحين التي أُحرِقت خلال أحداث عرسال الاخيرة لم يُعَد تشييدُها حتى الآن «ولكن لا يمكننا تجاهل حالة إنسانية كهذه، ويجب معالجتها على رغم استيائنا ممّا حصل في عرسال».
وبالنسبة الى عدد النازحين العراقيين الذين دخلوا لبنان في الفترة الاخيرة بسبب الأزمة في بلادهم، قال درباس «إنّ العدد المسجّل لدى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يبلغ 1000 نازح، إلّا أنّنا نعتقد أنّه يتخطّى ذلك، ناهيك عن عدد النازحين العراقيين الذين دخلوا سابقاً والذين يبلغ عددهم نحو 7000». وكشفَ عن اجتماع سيعقده مع مطران الكلدان في هذا الشأن سيتناول خلاله سُبلَ مساعدة هؤلاء النازحين. (تفاصيل ص 11).