IMLebanon

قواعد اللعبة الداخلية ارتسمت وكلّ الأطراف ملتزمون الحفاظ على الحكومة

كان يمكن قرارا مثل قرار وزير الداخلية في شأن اللاجئين السوريين في لبنان الراغبين في المشاركة في انتخابات الرئاسة في بلدهم على المنفذ السوري الحدودي مع لبنان، ان يفضي الى تفجير الوضع الحكومي، خصوصاً بعدما رفع فريق 8 آذار عقيرته معترضا على هذا القرار، ومعتبرا اياه قراراً اعتباطياً لا يراعي اصول العمل الحكومي، ولكن الرغبة الضمنية عند الجميع في الحفاظ على التفاهمات السابقة من جهة وعلى التماسك الحكومي من جهة اخرى، اوجدت خلال الساعات القليلة الماضية التي سبقت صبيحة امس حلاً عاجلاً عنوانه العريض اجراء من المديرية العامة للأمن العام سُمح بموجبه للاجئ السوري الراغب التصويت بالحصول على اذن الدخول والخروج. لم يعد خافياً اذا ان المرحلة الراهنة هي مرحلة ادارة الفراغ الرئاسي بالتي هي احسن، وهي في رأي دوائر القرار في قوى 8 آذار استتباع للتفاهم العريض الذي انتج حكومة “المصلحة الوطنية” برئاسة تمام سلام.

ولم يعد خافياً ايضا ان من عناوين ومفردات هذه المرحلة الحفاظ على الحكومة الحالية والحؤول دون بلوغ درجة تفجيرها او تعطيلها. فالذي واكب الاجواء التي سبقت الجلسة ما قبل الاخيرة لهذه الحكومة اقام لفترة من الوقت على اعتقاد فحواه ان الخلاف الناشب لتوه حول الصلاحيات والادوار في داخل هذه الحكومة مع خلو سدة الرئاسة الاولى، سيفضي الى تعطيلها، ولكن الأمور ما لبثت، وبقدرة قادر، ان لملمت.

فبقدر ما هي الحكومة الحالية حاجة داخلية وخارجية لادارة الفراغ والحيلولة دون ذهاب الأمور نحو دائرة التفجر والاحتمالات السلبية، فان التباين بين مكوناتها حاجة لهذه المكونات لتثبت حضورها في الميدان وخصوصا لدى المكون المسيحي الذي حمّله البعض مسؤولية الفراغ الرئاسي وتبعة السلبية المتأتية من مثل هذا الشغور الرئاسي ولا سيما بعدما ارتفع شعار مضمونه ان الفراغ الرئاسي مؤذ للميثاقية وللتوازن الوطني على المستويين القريب والبعيد.

كذلك من السمات اللافتة لهذه المرحلة جو الانضباط والتهدئة الذي يمارسه وزيران من وزراء تيار “المستقبل” كانت شهرتهما قد قامت بالاصل على مناكفة الفريق الآخر ولا سيما “حزب الله” وعلى اظهار القدرة والبراعة في مواجهة هذا الحزب، لا بل ان ثمة من هو في جو الحزب يتحدث صراحة عن “حجم” التعاون والانفتاح اليومي الذي يبديه هذان الوزيران على الرموز المولجة بالتواصل مع الحزب الى درجة ان ثمة في الحزب اياه من بدأ يبني على هذا التحول الدراماتيكي لدى هذين الوزيرين حسابات ورهانات سياسية مستقبلية.

وبناء على كل هذه المعطيات والوقائع، لم يعد مفاجئاً القول بأن ثمة توجها اسرع مما هو متوقع لتكيف الجميع مع مقتضيات مرحلة الفراغ الرئاسي، وموجباتها العملانية والادارية وذلك انطلاقاً من جملة اعتبارات يأتي في مقدمها:

– ان لدى كل الافرقاء، بمن فيهم الفريق الوسطي، شعورا بالعجز عن القيام بأي خطوة من شأنها ان تكسر المعادلات القائمة وتغير من واقع الحال المرسوم شيئاً.

– شعور فريقي 8 و14 آذار بأنهما فعلا في خلال الأشهر الأربعة الماضية اقصى ما بوسعهما أن يفعلاه في اطار المناورات السياسية، فأيقنا في نهاية المطاف ان عليهما تقبّل الفراغ وانتظار الايحاءات الخارجية التي من شأنها ان تنتج تسوية ما تعيد الحياة الى قصر بعبدا.

– لا ريب ان فريق 8 آذار يتصرف من موقع الممسك بزمام الأمور، اكثر من خصمه، لا سيما بعدما وضع هذا الخصم امام معادلة جديدة وترك له حرية الاخذ بها.

– اما الفريق الوسطي ورمزه النائب وليد جنبلاط فانه نجح الى حد ما في امرين اثنين وبقي عليه انتظار امر ثالث.

اما الامران فهما: الاول انه بيضة القبان ولكنها المؤجلة الفعل والتصريف بفعل “معادلة الرعب” القائمة حالياً.

الثاني: انه اعطى لمن يهمه الامر ايحاءات فحواها انه عازم على التشكل والتجذر لاحقاً بشكل اكبر، وقد عبّر هذا الامر عن نفسه في مشهد مهرجان العودة في بلدة بريح الشوفية، وفي احتفال الوداع في قصر بعبدا وفي اليوم الثاني في عمشيت.

وكما هي العادة كان النائب جنبلاط هو لولب الحركة في هذا الفريق، اذ بعث خصوصاً الى “حزب الله” وتيار “المستقبل” بأكثر من رسالة بحراكه الاخير فحواها ان للأمور الكبرى والتفاهمات حدوداً يتعين ان يأخذاها في الاعتبار. وقد بدا جنبلاط متوجساً من اشارات العماد ميشال عون عن “تحالف الأقوياء الثلاثي الأضلاع”، لكنه أفهم من يعنيهم الأمر أنه لن يستكين ويستسلم للأمر المقدور، فهو ممتد الى طرابلس مع الرئيس نجيب ميقاتي والى عمشيت مع الرئيس السابق ميشال سليمان، وصولا الى بكركي التي لا يترك فرصة الا ويدعم فيها سيدها وقد تجلى ذلك في دفاعه عن رحلته الى فلسطين المحتلة.

وهو فوق هذا كله لم تمنعه علاقته الدقيقة مع “حزب الله” عن توجيه سلسلة انتقادات لمواقفه في مجالسه الخاصة وصلت اصداؤها بطبيعة الحال الى اذان قيادات الحزب خصوصاً عندما تحدث عما سمّاه بسط نفوذ ايراني على لبنان خلال زيارته لاحدى المؤسسات المتخصصة بمتابعة الشأن الفلسطيني.

لكن الحزب فهم رسالة جنبلاط ولم يكن مستاء منها خصوصاً انه صار فاهماً اكثر من اي وقت مضى المزاج الجنبلاطي وتقلباته وحدود هذه التقلبات.

وفي كل الأحوال ان قواعد اللعبة للمرحلة الحالية صارت معروفة وثابتة ويصعب الاخلال بها.