IMLebanon

قيد الدرس

بعد أن هرهرت الإمبراطورية العثمانية، التقى سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي على كأس جعة وتبادلا الأنخاب وباشرا بتمزيق بلاد الشام وقصقصتها وتخريطها وتحريفها وترويسها، وقدّما للعالم خريطة العراق وسوريا وفلسطين ولبنان وشرق الأردن، وابتدأ مشوار تثبيت هذه الكيانات بأعلام مختلفة وبرموز إيحائية وكان ما كان.

سرد محطات هذا المشوار يحتاج الى مجلدات، اذ لكل مجلد حيثياته وتبريراته وقصصه.. لن أدخل في هذه المطولات خوفاً من الشطط وسرد المبررات غير المبررة، وسأكتفي بتسليط ضوء خافت على المكان الذي نحن فيه (لبنان)، قلت المكان ولم اتجرأ على استعمال كلمة «وطن» او «كيان» حتى ألامس الواقع الحقيقي، ولتلافي الرجوع الى الماضي البعيد مكتفياً بتسليط الضوء على فترة ما بعد سنة 1975.

مشوارنا هنا يبدأ من السنة المذكورة ولم ينته بعد. فبوسطة عين الرمانة التي فجرت القلوب الملآنة، والسبت الأسود والدامور وتل الزعتر ووسط بيروت والصفرا وقرى الجبل، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت والدخول السوري بناءً لطلبنا وخروجه بناءً لغضبنا، وتهميش الجيش واغتيالات لا تحصى وتفجيرات لا تعد، واتفاق القاهرة سيئ الذكر واتفاق الطائف الذي لم يطبّق ومصالحة الدوحة الشكلية وإعلان بعبدا الفضفاض، والزيارات الإسرائيلية شبه اليومية لسمائنا ودخول وخروج الإسرائيلي بالقوة، وتدمير مساجد وتصليح كنائس وترميم مآذن وهجرة شباب وطفرة عوانس وبرلمان اخرس ونزوح سوري كثيف يستعطي قسم منه على الأرصفة.

ما ذكرتُ هنا إضافة الى ما نسيت، أدى الى فرز سكاني واقعي . فقلة من المسيحيين تستمر في العيش في طرابلس السنيّة، وما بقي من مسيحيين في الشوف الدرزي يبيع أملاكه، والمسلمون السنة والشيعة يهربون من المناطق المسيحية، بينما يلملم مسيحيو الجنوب ما استطاعوا للخروج منه، أما البقاع فتشاطرٌ وتناحرٌ بين السنّة والشيعة تضيع بينهما زحلة (المعلقة)، اما بيروت (المحروسة) فلا تزال تحاول احتضان المتناقضات، ومع كل هذا نقوم بتصريحات مدويّة حول وحدة الوطن والشعب والمؤسسات.

كفانا هرطقة ولنكن واقعيين لننقذ لبنان من ان يكون مكباً لمشاكل المنطقة ولنرجع الى اتفاق الطائف الذي وقعناه بعد 200.000 قتيل و300.000 جريح و700.000 مهجّر، ولنتجرّأ ونطبق اللامركزية الإدارية ونعود للملمة ما تفتت ونقبل بالواقع. أوليست السياسة فن الممكن؟ وإلا فكوندوليسا رايس تعمل دائبة لشرذمة المنطقة وتركيز الكيان اليهودي القوي وتثبيت عشائر متناحرة فوضوية تلمع وسطها نجمة داوود.

نجحوا في فرزنا لكنهم فشلوا في تقسيمنا حتى الآن فلنعمل على قاعدة فن الممكن ولنطبق اللامركزية الإدارية التي اتفقنا عليها حتى لا نبقى قيد الدرس.