IMLebanon

كتلة «الدواعش» النيابية: تكفيريون عابرون للطوائف

كشفت أحداث عرسال عن وجود كتلة نيابية «داعشية» لا يستهان بها. هؤلاء قادرون، إن سار حوار البطريرك بشارة الراعي مع قيادة التنظيم التكفيري على خير ما يرام، على توفير النصاب في المجلس النيابي لانتخاب الرئيس العتيد

لا يخوض «الدواعش» حروبهم بعسكرييهم وأمنييهم فقط. هم يتكلون على كتيبة إلكترونية تنهمك، منذ عامين، في أكبر عملية تعبئة افتراضية لـ«الجهاد»، وتضم شبكة إعلاميين وأئمة وحقوقيين ورؤساء مجالس بلدية وأطباء وسياسيين. لولا جهود هؤلاء لما أمكن «داعش»، بالوسائل العسكرية والأمنية فقط، حجز الرقعة الجغرافية التي تشغلها اليوم والاستمرار في تسيير شؤون أهلها.

فـ«البيئة الحاضنة» لا تضم مواطنين فقط، بل تبريرات أخلاقية وسياسية لوجود التكفيريين، وحججاً تحريضية تدفع المواطنين إلى الارتماء أكثر في حضن «داعش»، وهو ما يمكن بسهولة رصده في حرب عرسال الأخيرة. ففي وقت يقاتل فيه التكفيريون الجيش، يحاول من أقلّه وزير المال السابق محمد الصفدي في سيارته من السجن إلى منزله في طرابلس تشتيت تركيز الجيش، وتنشط جوقة كاملة من السياسيين والإعلاميين ولقاءات «الاعتدال المدني» ورجال الدين، وحتى بعض الحقوقيين، لإضعاف الجيش عبر: أولاً، نقض رواية قيادته الرسمية عن سياق الأحداث. ثانياً، التحريض على العسكريين عبر اتهامهم بتنفيذ سيناريو سوري ــــ إيراني. وثالثاً، محاولة توفير مخرج للتكفيريين عبر تسوية «حبّية» تضمن عودة الأوضاع الأمنية في عرسال إلى ما كانت عليه قبل استشهاد كل هؤلاء العسكريين وخطف عناصر قوى الأمن الداخلي.

«البيئة الحاضنة» تضم مواطنين ونواباً حاليين وسابقين وطامحين

نيابياً، لا تضم كتلة «الدواعش» النواب محمد كبارة وخالد ضاهر ومعين المرعبي فقط. ففي كل دائرة مستقبلية هناك، على الأقل، نائب «داعشيّ»، يضاف إليهم نواب زحلة الذين نجحوا سابقاً في التصدي لمحاولات الأجهزة الرسمية لمحاصرة النفوذ «الداعشي» في عرسال، فضلاً عن طابور طويل من النواب السابقين. فبعيداً عن لغة كبارة المذهبية، ارتكز بيانه على ثلاث نقاط، هي أشبه بأمر عمليات لـ«الدواعش» المدنيين، وهي: أولاً، تحميل حزب الله مسؤولية تنامي الحالة المتشددة بحكم قتاله في سوريا. ثانياً، اتهام حزب الله بقصف عرسال بالصواريخ. ثالثاً، تحذير الجيش من تكرار سيناريو عبرا، لأن عرسال خط أحمر. ولم تلبث هذه النقاط الثلاث أن زيّنت، بالجملة أو بالمفرق، تصريحات عدد كبير من السياسيين. عضو كتلة المستقبل جمال الجراح أُنهك وهو يتنقّل بين الإذاعات مكرراً بيان «الداعشيين» السياسي: «حزب الله يتحمل مسؤولية تغذية التطرف السني (في عرسال وليبيا وتونس ومصر والشيشان). وهناك كلام كثير عن اشتراك حزب الله بقصف عرسال بالصواريخ. و(…) يجب وقف إطلاق النار بأي ثمن، لأن الموضوع لا يحل عسكرياً». أما النائب المستقبلي للقوات عن منطقة عكار، وهبي قاطيشا، وهو عميد متقاعد، فشدّد أيضاً على أن حل الأزمة لا يكون بالطريقة العسكرية، متمنياً أن لا تتحقق أمنيات البعض بأن تصبح عرسال مثل عبرا، من دون تحديد ما الذي يعجبه في عبرا السابقة مقارنة بعبرا الحالية. ومن بيروت، انضم نائب «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت إلى الداعشيين برفضه «معاقبة الجيش من يساند الثوار في سوريا، وغضه الطرف كلياً عمّن يساند علناً النظام». وعلى وقع طبول «داعش» الحربية، سأل الحوت لماذا اعتقل «هذا المعارض السوري» (الإرهابي عماد جمعة) في هذا التوقيت، محملاً من أصدر قرار الاعتقال من دون خطة أمنية مسؤولية سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء؟ قبل أن يجزم، ومن طريق التساؤل دائماً، بأن المستفيد من توريط الجيش هو «المحشور في القلمون حيث يتلقى الضربات». ولم تلبث «الجماعة الإسلامية» أن شدّت على «مشدّ» ممثلها في المجلس النيابي، داعية الحكومة إلى تحييد الجيش عن القتال الدائر بين حزب الله والمقاتلين السوريين، وهو ما عمل لأجله وزير العدل المفترض أشرف ريفي، محذراً من تكرار نموذج عبرا. وضغط ريفي نفسياً على قيادة الجيش عبر تهديدها، بطريقة غير مباشرة، بأن «الخطأ في المعالجة سيؤدي إلى مخاطر كبرى». قبل أن يلتزم هو الآخر أمرَ العمليات المستقبلي، محملاً حزب الله مسؤولية «استجلاب الصراع إلى الأراضي اللبنانية». وحتى لا يحتكر ريفي وأبو العبد كبارة المشهد الطرابلسي، وخصوصاً أن الرئيس نجيب ميقاتي أدى واجبه على أكمل وجه في عدم إعطاء أوامره للأجهزة الأمنية بإنهاء المظاهر «الداعشية» شمالاً وبقاعاً حين كان ذلك ممكناً، كان لا بد أن يقدم النائب السابق مصباح الأحدب فروض الطاعة «الداعشية». وها هو الأخير، يجلس في «الصيفي فيلاج» في وسط بيروت، ليكتب بياناً باسم «الاعتدال المدني»، يدين فيه «زج المؤسسة العسكرية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، في معارك لمساندة حزب الله والنظام السوري». وعلى وقع نعي قيادة الجيش لشهدائها واحداً تلو الآخر، عبّر الأحدب عن استيائه من كون الجيش «أداة في يد حزب الله والنظام السوري».

كل هذا، فيما هيئة علماء المسلمين تجول على المرجعيات السياسية والأمنية، مطالبة بحل سلمي يضمن وقف النار لإطلاق الموقوفين والمحتجزين من لبنانيين (عناصر قوى الأمن الداخلي) وسوريين «لم يقترفوا جرائم على الأراضي اللبنانية» (جمعة)، وكأن شيئاً لم يحصل. مع العلم أن عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت حرص على تبديد أية شكوك بوجود تعارض في المواقف بين النواب المستقبليين، بعد مواقف كبارة وضاهر والمرعبي والجراح، معتبراً ذلك مجرد تجنٍّ من إعلام حزب الله. وبناءً عليه، لا يوجد أي تعارض: يعبّر نواب المستقبل الذين احتلوا الشاشات والإذاعات والمواقع الإلكترونية عن رأي المستقبل الحقيقي بأن حزب الله هو المسؤول عن نمو التكفيريين في مناطق نفوذ المستقبل، وهو يقصف عرسال، وأن الجيش بقيادته وضباطه وجنوده ينفذ جدول أعمال الحزب، وأن لا بد من حل يتيح للتكفيريين العودة من حيث جاؤوا بمجرد إخلائهم سبيل «ضيوفهم» من العسكريين، بغض النظر عن أرواح من سقطوا جراء مغامرتهم هذه. هذا، على أي حال، ما سبق لتيار المستقبل أن قاله خلال معركة عبرا. ولم يكد أحمد الأسير يتوارى حتى أولم المستقبليون، يتقدمهم المحرضون على الجيش، على شرف قائد الجيش في البيال. لعل الوليمة المقبلة تكون في منزل النائب جمال الجراح أو زميله محمد كبارة.