خرج نعيم عون من صمته ليعلن أنّ «التيار الوطني الحر» الذي ساهم مع بعض رفاقه في وضع أولى حجارته، مأزوم. ليقرب من جرح يخشى كثر من وضع الإصبع عليه: ثمة أزمة ثقة بالذات.. وبالقيم والمبادئ، «الشعارات الكبيرة صارت مجرد خدمة لمصالح صغيرة»، «زحمة متسلقين ممن باعوا أنفسهم».. لينهي كتابه المفتوح «بالدعوة الى عدم الاستسلام»!
اختار نعيم عون كلمات مقالته (نشرت في عدد «السفير»، أمس) بعناية. صحيح أنّه بدا هادئاً في مقاربته، إلا أنّ مضمون الرسالة.. وصل الى الرابية.
ليست المرة الأولى التي يطوف فيها كأس «التيار» بخلافات أهل البيت. سبق له أن شهد جولات كثيرة، لكن لهذه الجولة حساباتها المختلفة. ففي اللحظة التي يتهيأ فيها «التيار» لارتداء ثوبه التنظيمي الجديد، يتجه كل فريق ليقول كلمته النهائية قبل كشف كل الأوراق، وهذا ما يحصل.
مسيرة النظام الداخلي المنتظرة منذ أكثر من تسع سنوات، يفترض أن ترسو قريباً على برّ. قد لا يكون شاطئ أمان بالنسبة لكثر، لكن حتماً لن تبقى أسيرة تقاذف أمواج الآراء المتباينة بين أجنحة «التيار» التي لم تتمكن من الاتفاق على صيغة موحدة تكون قارب نجاتهم من حالة الفوضى التنظيمية السائدة حاليا.
أكثر من مسودة قانونية طرحت ونوقشت ولكن محاولات القيادة وضع إطار نظامي يشرك كل «المحاور» فشلت حتى الآن. الجنرال يريده «عهداً برتقاليا جديداً»، ولكن «أبناءه» لم يتفقوا بعد على مواصفات هذه المرحلة. هو بنفسه أبلغ مستمعيه مرة أنّه سيتنحى قريباً عن القمة، إلى موقع «الإرشاد الروحي».
الخلاف صار مكشوفاً، بين فريق يريد الانتقال بـ«التيار» من حالة متفلتة شعبياً وممسوكة بالحد الأدنى من الأطر التنظيمية، إلى مؤسسة جامعة تحتضن الجميع، وتحديداً «المناضلين الأوائل»، أي «الخميرة» الأساسية التي اختمر «التيار» في معجنها. وتسعى لأن تكون الولادة الثانية للهيكلية التنظيمية سليمة قادرة على استيعاب كل الفئات العونية، وتتمتع بمقومات البقاء والاستمرارية.
ويقول معارضو التوريث إنّ هناك من يحاول تأسيس «ملكية» تبقيه ملكاً على «التيار» من دون شريك أو حسيب أو رقيب. «نعم، يريد أن يكون صاحب الكلمة الفصل، محاطاً بتركيبة حزبية لا تنازعه الصلاحيات ولا تنافسه على القرار». يختصر المعترضون بالقول إن كل الجهد المبذول منذ أشهر على الأوراق لوضع النظام الداخلي الجديد وانتخاب رئيس جديد وهيكلية جديدة لـ«التيار»، هدفه تكريس «الوراثة».
وحين سئل وزير الخارجية جبران باسيل في آخر لقاء جمع «العونيين» في البترون في ذكرى السابع من آب، لم يبخل في التأكيد لهم أنّ المستقبل للجميع وسنكون يداً واحدة وقلباً واحداً.
إلا أنّ ما يصل إلى أيديهم من نسخ منقحة للنظام الداخلي لا يبشرّ بالخير. فكل التعديلات التي تحاول القيادة طرحها لمسايرة المعترضين، لا تقترب من الجوهر، وتقف عند حدود الديكور فقط.
بالأمس، قرأ العونيون سطور نعيم عون بتمعن وهدوء. يعرف الجالسون في مواقع القرار أنّ القيادي العتيق الذي حافظ على منظومة علاقات بكل «رفاق» الدرب التأسيسي، ومع معظم الوسط السياسي اللبناني، لا يمثل نفسه فقط، وإنما هو حالة وازنة في الوجدان العونيّ.
كما لا يمكن لأحد أن يسجل اعتراضه على «شكواه المعلنة»، طالما أن ما كتبه بالأحرف العريضة يهمس به رفاقه في جلساتهم المغلقة. لا بل بدا من خلال التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ ما قاله «يعكس المخاض العسير الذي نحن بصدده اليوم تحضيراً لغد قد لا يأتي»، كما كتب أحدهم.
أكثر من ذلك، فقد فتح شهية محازبين من ألوان أخرى، انضموا تضامناً في التعبير عن اعتراضاتهم على قياداتهم، وفي تطريز شكاويهم على «الجدران العامة».
ولعل سؤال ما بعد الصرخة، كيف ستتلقفها القيادة في الرابية؟ من سيتجاوب مع نعيم عون من قيادات حزبية تصارع لحفظ مكانتها وموقعها داخل التركيبة السلطوية؟ هل ستقف الكرة هنا أم تتدحرج؟