IMLebanon

كردستان المستقلة نضجت… والبقية آتية!

أكثر من أيّ يوم مضى، يقتنع الأكراد بأنّ الآخرين سيتبعونهم عاجلاً أم آجلاً، ويعلنون كياناتهم الدينية أو القوميّة. فالأكراد إحترفوا الإنتظار على مدى عقود، وراهنوا على متغيّرات شرق أوسطية كبرى ستأتي… وقد أتَت.

للمرة الأولى في تاريخهم، يشعر الأكراد بأنهم في صدد الخروج من السجن العربي الذي وُضِعوا فيه على مدى أجيال. ومع أنّ العرب مَدينون لقوميّتهم التي أنجَبت صلاح الدين الأيوبي، فإنهم ظَلموا أَهلها وحاصروهم وفرضوا الحظر الثقافي عليهم، كما على قوميات وثقافات أخرى مشرقية كانت لها أفضال أخرى على العرب.

لم يشرب الأكراد نَخْب الإستقلال رسمياً بعد، لكنّ حدود دولتهم باتت راسخة، فيما تتلاشى حدود العراق (السابق) لجهة سوريا (السابقة)، مع سقوط سايكس- بيكو. فالعودة بعقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى المرحلة الصَدّامية، مستحيل. ويبدو مستمراً مسار التفكّك العراقي الذي كرَّسه الدخول الأميركي، في العام 2003، وفشل التجربة الديموقراطية. وهذا المسار كان الشرارة الأولى لما سمِّي لاحقاً «الربيع العربي».

ويتصرَّف الأكراد في حذر. فهم لا يوحون برغبة في بناء دولتهم على إتساع رقعتها العراقية والسورية والتركية والإيرانية. ويكتفون حالياً بطلب الإعتراف بإستقلال كردستان العراق. ولاحقاً قد يتمكنون من إستيعاب كردستان سوريا.

لكنّهم اليوم لا يُظهِرون أيّ محاولة لتحريك وضعية إخوانهم في إيران وتركيا لئلّا يفتحوا على أنفسهم «وكر الدبابير». وقبل أيام، زار رئيس حكومة الإقليم نجرفان بارزاني، طهران للطمأنة والتنسيق. أما تركيا فهي معبر للنفط الكردي، كما أنّ كردستان العراق هي سوق للمنتجات التركية.

ولذلك، حصل الأكراد، أخيراً، على تغطية إقليمية – دولية لتحقيق حلمهم القديم بالسيطرة على كركوك، المدينة التي يعتبرونها جزءاً من أرضهم القومية. وتمّ لهم هذا الإنجاز خلال ساعات قليلة، فيما كان يستحيل عليهم إنتزاعها من سيطرة الحكومة المركزية على مدى عقود من السنين. والمنجم الهائل من الذهب الأسْوَد الذي تضمّه كركوك سيجعل الدولة الكردية قادرة على الحياة إقتصادياً، كأيّ دولة نفطية في المنطقة، مدعومة بميزات تجارية وسياحية وزراعية وصناعية تتمتّع بها.

ويبدو الإسرائيليون الأكثر إهتماماً بدولة الأكراد ونفطها. وفي الأيام الاخيرة، وصلت شحنة ثالثة من النفط الكردي إلى ميناء حيفا. وهم يُخطّطون للحصول على نفط كركوك عبر الأنبوب المتوقّف عن الضخّ، عبر الأردن، وإلّا فمن طريق تركيا فالمتوسط. ويشجّع الإسرائيليون واشنطن على تسريع الإعتراف بإستقلال كردستان تحت عنوان أنّ بيعها للنفط قبل ذلك يعرِّضها لعقوبات دولية.

وكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عن الإستعداد للاعتراف بالدولة الكردية مباشرة بعد إعلانها الاستقلال. وسبق لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ورئيس الدولة شمعون بيريز أن أبلغا إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري هذا الموقف.

ويتسرّب كلام نقلاً عن مسؤولين إسرائيليّين مفاده أنّ إسرائيل ستُحرِّك سلاحها الجوي دفاعاً عن كردستان، إذا تعرّضت حدودها للتهديد. وهذا الموقف يصبّ في خانة المعلومات القديمة عن علاقات سرّية عسكرية وإستخبارية وتجارية بين إسرائيل والأكراد منذ منتصف القرن الفائت.

فهناك كلام على دور مزدوج إضطلع به الأكراد تقليدياً: تمكين الإسرائيليين من خرق العراق وسوريا وتركيا وإيران، والتوسط ومدّ الخطوط السريّة بين إسرائيل وحكومات هذه الدول، خصوصاً في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

وهناك دور لليهود العراقيّين والأكراد في تنمية العلاقات بين إسرائيل وكردستان. ومعلوم أنّ العراق سمح لهؤلاء، في مطلع خمسينات القرن الفائت، بالهجرة إلى إسرائيل، على أن يتخلّوا عن أملاكهم. وعلى الأثر، أطلق الإسرائيليون حملة «عزرا ونحميا» التي رحَّلت إلى إسرائيل 120 ألف يهودي، غالبيتهم من الأكراد. ويضطلع هؤلاء اليوم بدور مهمّ في القرار الإسرائيلي الشرق أوسطي.

ولذلك، لم يعد السؤال: «هل» يعلن الأكراد دولتهم المستقلة، بل «متى»؟ ويبدو العديد من الكيانات الشرق الأوسطية قيد النضوج والولادة، الواحد تلو الآخر. والكيان الكردي قد يكون الأسرع لأنه كان ناضجاً إلى حدٍّ كبير. فمن التالي على لائحة الإنتظار؟