انتظار اسم الرئيس من «الوحي» و«الروح القدس»
كرسي بعبدا سيبقى شاغراً لوقت.. غير قصير
لم يعد الكلام عن انتظار كلمة السر الخارجية حول الانتخابات الرئاسية اللبنانية يدور في الغرف المغلقة. وزراء ونواب وسياسيون لا يخجلون من الجهر بأن البحث عن رئيس جديد للبنان يجري خارج حدود الجمهورية. يجدون الاعذار والمبررات والسوابق «التاريخية». كأن ذلك قدر لا مفر من قضائه.
صحيح انه وفق الدستور اللبناني فإن انتخاب الرئيس من واجبات المجلس النيابي، الا ان الصحيح ايضا، على ما يبدو، أنه من صلاحيات الدول القريبة والبعيدة.
ولان الكلمة الفصل للارادة الخارجية، تتابع الاوساط السياسية بانتباه تطور العلاقات الايرانية ــ السعودية والعلاقات الايرانية ــ الاميركية بشكل خاص. لا يلغي ذلك ادوارا اساسية او تفصيلية لدول اخرى، من روسيا الى سوريا مرورا بفرنسا وبعض حلفائها، الا ان الكرة اليوم في الملعب الايراني ـ السعودي ـ الاميركي.
وحده الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله حاول التقليل من انعكاسات التقارب او التباعد الدولي على العملية الانتخابية في لبنان. كان واضحا في طلب عدم التعويل على اي لقاء او تسوية مرتقبة بين الايرانيين والسعوديين. مطالبا ومكررا على اللبنانيين الا ينتظروا تطورات مماثلة.
يتوقف سياسي وسطي عند كلام نصرالله مؤكدا ان «فيه كثيرا من الصحة، ربما ليس للاسباب التي فندها السيد نصرالله، ولكن منطق الامور والمعطيات المتوافرة تؤكد ان على اللبنانيين انقاذ جمهوريتهم ورئاستها، لان انتظارهم للوحي الخارجي قد يطول».
يقول السياسي، في محاولة قراءة الواقع، ان «ايران اليوم توسع شبكة تواصلها واتصالاتها وتفتح ابوابا كانت لفترات طويلة موصدة. حركة متشعبة من زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى تركيا، وصولا الى انطلاق المفاوضات الاميركية – الايرانية على مستويات متقدمة في جنيف. صحيح ان الاهداف المعلنة محددة بوجوب التوصل الى اتفاق بشان «النووي» قبل نهاية تموز، الا ان الاهداف المضمرة تبقى على القدر نفسه من الاهمية. فالمرجح الا تنتهي المفاوضات الا وقد وضعت الاسس لتفاهمات كبرى حول قضايا اقليمية عالقة، ومهدت لتسويات في الملفات الشائكة». يضيف السياسي المتابع «تبدو ايران اليوم منطلقة في علاقاتها الخارجية ومنفتحة. بادلتها بعض دول الخليج مبادراتها بالمثل بدليل زيارة امير الكويت صباح الاحمد الصباح الاخيرة، وخطوات الانفتاح الخليجية تجاه ايران سواء من سلطان عمان أو امير قطر. وحدها العلاقات مع السعودية لا تزال تفتقد للحرارة. يبدو واضحا ان ايران غير متحمسة اليوم للدخول في مفاوضات مع السعودية. فقد بادرت الاخيرة في اكثر من محطة الى ابداء حسن النية والرغبة بالتواصل، الا ان لايران، على ما يبدو حسابات مختلفة. لذا لم يلب وزير خارجيتها محمد جواد ظريف دعوة نظيره السعودي الامير سعود الفيصل. كما لم يكن رد ايران ايجابيا على الدعوة الموجهة اليها للمشاركة في اجتماع منظمة التعاون الاسلامي الذي سيعقد في السعودية منتصف هذا الشهر». وعن اسباب الموقف الايراني يشرح السياسي قائلاً «ناهيك عن لعبة الوقت التي يتقن الايرانيون اصولها ويبنون سياساتهم عليها، فان توقيت الانفتاح على السعودية اليوم لا يبدو ملائما من منظار ايراني. فهي تحاول محاصرة السعودية من اكثر من جبهة وجهة. تضع اولا ثقلها الاساسي في التركيز على مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وهي تعلم ما لهذه الاخيرة من مَوْنَة على السعودية. وعلى خط مواز، تراهن على توسيع دائرة اصدقائها في الخليج، الذين يحاولون التمايز عن السعودية. وفي الوقت نفسه تواصل السعي الى تحقيق نجاحات او خروقات، وفق منظورها، في سوريا والعراق واليمن وصولا الى تركيا. ولان الاستفادة من كل الاوراق، حتى لو لم تكن من صناّع العابها، موهبة ايرانية، تتابع ايران بالتفاصيل انتقال السلطة في السعودية وما يرافقها من تطورات وتعيينات وتغييرات في مواقع حساسة، سواء في وزارة الدفاع او المخابرات او تلك المرتقبة في الخارجية وسواها، وتعتبر ان أوان المحادثات يكون اجدى بعد ان تتضح الصورة الشاملة في السعودية ومواقع كل مسؤوليها».
على ضوء هذه القراءة يبدو ان كرسي الرئاسة في بعبدا سيبقى شاغرا لوقت غير قصير. ومن ينتظرون «الوحي» او «الروح القدس» عليهم ان يتلوا «فعل الندامة» على ما اقترفوه، ويواصلون، في رهن البلد واهله لارادات واهواء ومصالح خارجية.