تتخذ مراجع سياسية وسياسيون من التجربة التي سبقت تأليف الحكومة الحالية نموذجا على ان “كلام الليل ” السياسي الداخلي ايا تكن سقوفه يمحوه “كلام النهار” الاقليمي في اطار تأكيد ان الرهان لدى الجميع هو على حلحلة في موضوع الانتخاب الرئاسي اقليميا وليس محليا. فالسقف المرتفع الذي كان حدده زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري قبيل تأليف الحكومة برفض الجلوس على طاولة واحدة مع “حزب الله” ما لم ينسحب من قتاله في سوريا في مقابل سقف مرتفع آخر حدده الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله برفضه اي صيغة حكومية خارج صيغة 9-9-6 وان على الآخرين قبولها قبل فقدانهم الفرصة خشية خسارة المزيد ايضاً، سرعان ما تراجع عنهما كل منهما تحت وطأة تظهير صيغة 8-8-8 الحكومية بسحر ساحر. الامر الذي تعيه هذه المراجع والسياسيون على حد سواء حيال التأثير الاقليمي وتلاقي مصالح الذي ادى في ما ادى اليه الى تهدئة طرابلس وتسطير استنابات قضائية في حق علي عيد ونجله وتهدئة البقاع.
في الاستحقاق الرئاسي، ثمة رهانات مماثلة على ارتباطه بما يجري او يمكن ان يجري في اي لحظة منذ الآن وحتى تموز المقبل الموعد المبدئي لانتهاء المفاوضات الغربية الايرانية حول الملف النووي الايراني واحتمال تزامن هذه المفاوضات واخرى على المسار الايراني السعودي ما يؤدي في الخلاصة الى ترقب هذه الانتخابات بدءا من هذه المواعيد وحتى تشرين الاول المقبل. يأمل البعض ومنهم بعض المرشحين الذين يعطلون الانتخابات بأمل وصولهم في ان التسوية المحتملة في العراق لجهة بلورة نوعية الحكومة برئاسة نوري المالكي او التوافق على ائتلاف حكومي مختلف لا تتحمل مسؤوليته ايران وحدها وتتواصل من خلاله مع المملكة العربية السعودية قد يفضي تبعا لبقاء المالكي او الاستغناء عنه الى تأخير حصول الانتخابات او اجرائها من ضمن مهلة تأخير معقولة. بعض آخر يرسم صورة رهانات مختلفة تنطلق من التسليم بتهدئة ايرانية في كل من البحرين واليمن الحيويين بالنسبة الى المملكة السعودية في مقابل ترك ايران تتمتع بنفوذ واسع في كل من سوريا ولبنان مما يعزز حظوظ او كفة مرشحين من قوى 8 آذار او الاقرب الى هذه القوى.
وواقع الامر ان هناك تخبطا في معرفة مآل التطورات مما يترك البلد نهبا للتكهنات والتفسيرات وتاليا لسيناريوات مختلفة. هل طويت ورقة العماد ميشال عون كما طويت ورقة الدكتور سمير جعجع وكل من مرشحي قوى 14 و8 آذار؟
هذا هو الانطباع الاساسي في ضوء معطيات لدى مصادر سياسية وتجزم بمتانتها. فتقول انه في مقابل ادراك جعجع من الاساس عدم امكان وصوله الى الرئاسة لاعتبارات معروفة، فان عون وعلى غير ما اشاع خلال منذ ما يزيد على شهرين لا يحظى بالدعم المطلوب لوصوله الى قصر بعبدا. وافشال جلسات الانتخاب أبرز دليل على ذلك. وهو وعلى نقيض جعجع لا يستطيع ان يعلن ترشيحه لاعتبارات من بينها في شكل اساسي انه متى اعلن ترشيحه وجب ان يعلن حلفاؤه دعمهم له فورا مما سيضطر “حزب الله” الى اعلان دعم هذا الترشيح فيغدو عون بذلك مرشح الحزب مما سيحرج اي تأييد له في الخارج اوروبيا واميركيا وعربيا نظرا لتصنيف بعض الدول الحزب في خانة التنظيمات الارهابية او شقها العسكري او لسوء علاقته مع دول عربية عدة. ويطيب لسياسيين اعتبار ان صفحة انتخاب عون قد طويت ولكن من دون ان تفتح الباب على ترجيح مرشحين آخرين ولو ان البحث لم يتوقف عبر اسماء معروفة وبدأت تخط طريقها رويدا في انتظار اللحظة المناسبة علما انه قد يكون يعتبر ان حظوظه لم تستنفد كليا بعد وانه لا يزال يستطيع الوصول الى الرئاسة . ويقول هؤلاء ان المفارقة تكمن في لجوء عون في حملته الرئاسية الى ادوات الماضي ان من خلال معادلة انتخابه للرئاسة الاولى على قاعدة انتخابه او الذهاب الى الفراغ او اعادة فتح ملفات الحرب كما في جلسة الانتخاب الاولى حيث وضعت اوراق تعيد زمن الحرب الى الواجهة او ايضا اخيرا اعادة صيغة الاتفاق الثلاثي في زمن الهيمنة السورية او نسخة منقحة منه مع اعتباره انه مع السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري يشكلون مثلثا متكافئا لا بد منه على نحو يترجم في اقتراحاته ما يخشاه كثر أي المثالثة التي تطيح اتفاق الطائف مختصرا او راغبا في اختصار المسيحيين بشخصه منذ كان في بعبدا في 1989 حتى اليوم. والمفارقة ان الماضي يعود اليه من زاوية ان من يحتاج اليهم راهنا لدعم وصوله للرئاسة قد سعوا الى ذلك حين كان في قصر بعبدا وارسلوا اليه للمشاركة في اتفاق الطائف من اجل المصالحة مع الجميع والعودة الى لبنان رئيسا، فرفض المشاركة وأعلن الحرب على اتفاق الطائف بحيث بدا انه لا يمكن استحضار جزء من التاريخ واهمال جزء آخر.
في السيناريو البديهي للوضع يفترض ان تتطور الامور الى تظهير أسماء المرشحين المقبولين من الجميع حتى لو تأخر الانتخاب الى بداية الصيف او منتصفه. لكن ثمة مخاوف حقيقية وعميقة من محاولات لي اذرع او فرض خيارات من اجل عدم السماح بذلك اي الابقاء على المرشحين الخلافيين في الواجهة او محاولة ايصالهم الى الرئاسة تحت الضغط المعنوي او المادي كما تخوف من ذلك الرئيس ميشال سليمان.