في المنطق السليم عموماً، قد يكون من المفيد أحياناً تبسيط ما هو معقد. أما تعقيد ما هو بسيط، فليس مفيداً في أي حال من الأحوال. مسألة صلاحيات مجلس الوزارء في حالة الشغور الرئاسي مثل ساطع على ذلك. أكثر من جلسة عقدت، وسيسيل كلام كثير عنها بعد، فيما المسألة المتنازع فيها وعليها واضحة بسيطة في نص دستورنا. على علة غزارة الفجوات والثغر في هذا الدستور. كيف تبيان الحل؟
بكل بساطة، تبدأ آلية مقاربة الموضوع من المادة 62 التي تقول بوضوح، أنه «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». إذن، وبدءاً من منتصف ليل 24 ايار الماضي بات مجلس الوزراء، أي الحكومة ملتئمة في جلسة لها وفق أحكام الدستور، يملك صفتين مجتمعتين في هيئة واحدة: أولاً صفة مجلس الوزراء، وثانياً صفة رئيس الجمهورية المناطة به صلاحياته. وهو لذلك بات عليه أن يعمل وفق مقتضيات كل صفة من الاثنتين على حدة. بشكل منفصل بالكامل. على قاعدة «الفصل والتوازن والتعاون»، التي قال بها الدستور نفسه. بحيث يدعو رئيس مجلس الوزراء ـــ أي رئيس الحكومة ـــ إلى الجلسة، وفق أحكام المادة 64 من الدستور. بعدها يلتئم مجلس الوزراء وتدار جلسته وفق أحكام الفقرة 5 من المادة 65، إن لجهة نصاب الالتئام أو نصاب القرارات المذكور في المادة نفسها. بمعنى أن يكون حضور ثلثي الوزراء ضرورياً لدستورية الجلسة. بعدها تتخذ القرارات بأكثرية الوزراء الحاضرين، كما هو واضح في الفقرة المذكورة. ما عدا المسائل الأربع عشرة التي اعتبرها الدستور «مواضيع أساسية»، وحددتها الفقرة نفسها بشكل مفصل، والتي تقتضي لإقرارها «موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها». يقر المجلس مقرراته، ويوقعها وفق أحكام الدستور، الوزراء المختصون ورئيس الحكومة. ثم تحال لتوقيعها من قبل رئيس الجمهورية.
هنا ينتهي عمل مجلس الوزراء بصفته الأولى كمجلس وزراء. بعدها يبدأ عمله بصفته الثانية، أي كقائمقام رئيس الجمهورية. أي تحال المراسيم التي أقرها مجلس الوزراء بصفته الأولى، إلى مجلس الوزراء نفسه، ليوقعها بصفته رئيساً للجمهورية. وبما أن مجلس الوزراء بكامل أعضائه هو الرئيس الآن، كما تقول المادة 62، تحال المراسيم إلى كل أعضاء الحكومة المحددة أسماؤهم في مرسوم تشكيلها. أي راهناً إلى 24 شخصاً. ليوقعوها من دون استثناء. حتى من كان قد وقعها منهم بصفته وزيراً مختصاً بالمرسوم موضوع التوقيع، ومنهم رئيس مجلس الوزراء نفسه. بحيث تكون تواقيع الوزراء المختصين في خانة، وتوقيع رئيس الحكومة في ثانية، وتواقيع الوزراء الأربعة والعشرين في خانة ثالثة، هي خانة توقيع رئيس الجمهورية. أما إذا رفض أحد الوزارء التوقيع ضمن خانة «تواقيع الرئيس»، فعندها يجري التعامل مع المرسوم كأنه أقر دستورياً في مجلس الوزراء، ولم يقترن بتوقيع رئيس الجمهورية. بمعنى أن تسري عليه أحكام المادة 56 في فقرتها الثانية. أي أن يجري تجميد المرسوم الذي رفض وزير أو أكثر توقيعه، لمدة 15 يوماً. كأنه أقر في مجلس الوزراء دستورياً، وأحيل إلى رئيس الجمهورية الذي لم يوقعه ضمن المهلة الدستورية أيضاً، والمعطاة له بموجب الفقرة المذكورة. أما بعد مرور 15 يوماً، وفي حال إصرار غير الموقعين من الوزراء على عدم التوقيع، فيصدر المرسوم حكماً، بمن حضر من الموقعين. وذلك عملاً بنص المادة المذكورة، أنه إذا «انقضت المهلة (15 يوماً) دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره».
كل المسائل المشابهة الأخرى، يمكن قياسها بالمنطق نفسه. مثلاً صلاحية رئيس الجمهورية بأن «يعرض أي أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال». فأثناء الجلسة يمكن لأي وزير استخدام هذه الصلاحية. فإذا حظي اقتراحه بالإجماع، بات اقتراحاً «رئاسياً» معروضاً من خارج جدول الأعمال. وهكذا في أي صلاحية رئاسية أخرى. حتى في مسألة نشر القوانين المقرة من مجلس النواب. بحيث يؤدي غياب توقيع وزير واحد عنها إلى تجميدها شهراً، قبل أن تصير نافذة حكماً بموحب أحكام المادة 57 من الدستور. تبقى معضلة وضع جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء. وهو ما تنص عليه الفقرة 6 من المادة 64 بقولها أن رئيس مجلس الوزراء «يضع جدول أعماله ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث». أي عملياً الآن، يضع رئيس الحكومة الجدول ويطلع الوزراء الأربعة والعشرين عليه مسبقاً، لكن ماذا يعني الإطلاع؟ هل هو مجرد قراءة ما كتب، من دون أي حق في المناقشة المسبقة أو القبول والرفض؟ إنها إحدى معضلات الطائف التي لم تحل منذ ربع قرن. ولا يمكن لأكثر المتفائلين حتى الوهم أو المتفلسفين حتى العظم، الاعتقاد بحلها الآن بالذات، في ظل أزمة شغور رئاسي، هي أصلاً تعبير عن أزمة نظام في الداخل، وانعكاس لسلسلة أزمات كل الأنظمة في الخارج، من الإقليمي إلى الدولي إلى الكوني طالما المفردة رائجة!