IMLebanon

كلام في السياسة | القلق من كلام الحريري… بكل صراحة

قد يكون رئيس الحكومة الأسبق، سعد الدين الحريري، مصيباً في رده الملتبس على بيان اللقاء المسيحي يوم أمس. رد ملتبس أولاً، لأنه في شكله وطبيعته فتح لباب الحوار. وإن كان في نصه ودعوته إقفال لذلك الباب، بحجة «رفض الدخول في السجالات». لكن الصواب في رد الحريري نفسه، يظل كامناً في نقطة واحدة، ألا وهي ما ذكره زعيم «المستقبل» عن ضرورة تركيز البحث على «التقدم نحو إيجاد المخرج الممكن للشغور المستمر في موقع الرئاسة الأولى». ولنكشف هنا ما لم يعلنه بيان اللقاء أمس.

ولنتصارح أكثر يا دولة الرئيس. ذلك أن علاقة خطابك يوم الجمعة الماضي بالاستحقاق الرئاسي المجهض أو المقبل، كانت موضع بحث مطول ومعمق في نقاشات اللقاء، كما في أوساط بكركي نفسها. غير أنها غابت عن البيان لسببين اثنين. أولاً لأنها كانت أكثر إقلاقاً للمتناقشين. ما دفعهم إلى عدم مقاربتها، حرصاً منهم على إيجابية الموقف حيال خطابك، واستبعاداً لأي سلبية في التعاطي مع الموقع الذي تمثل. وثانياً لأن الرأي استقر بدافع من ذلك، على تركها فعلياً للعماد ميشال عون في كلام مقرر له اليوم، كما للبحث فيها لاحقاً مع بكركي بالذات.

ولنكشف الأوراق كلها يا دولة الرئيس، كما اعتدنا دوماً. فنحن أناس لا يعرفون التقية ولا الباطنية ولا نهج اللغتين أو اللسانين أو الوجهين. نحن أناس كما تعرف، يقولون ما يفكرون فيه. ويفكرون كما يقولون. عملاً بالنعم نعم، أو لا فلا. والتزاماً بأن أبناء الحق يقبلون على الضوء ولا يخافون النور. فلنقل كل شيء. نعم لقد طرح جدياً وبعمق في نقاشات اللقاء المسيحي موضوعان مقلقان: أولاً، لماذا توقيت كلامك الآن بالذات؟ وثانياً، إلى أين يراد لهذا الكلام في هذا التوقيت، أن يقود البلد؟

في التوقيت أولاً، كان البحث مقلقاً، لأنك كنت قد اخترت الصمت طيلة أكثر من سبعة أشهر. منذ فتح الخط الإيجابي والبناء والمثمر بينك وبين الرابية. أشهر طويلة حصل فيها الكثير: استحقاق رئاسي مجهض في مواعيده الدستورية، شغور في بعبدا، انتحاريون في كل لبنان، أزمات معيشية ودولتية كبرى، مخاطر من كل جهات الطبيعة، من شح المياه حتى هزات الأرض…وأنت ملتزم الصمت. وهو حق طبيعي لك كما لكل مواطن ومسؤول. لكنه حق يستولد حقاً مقابلاً في طرح السؤال: لماذا إذن قررت الكلام الآن؟ ولأننا نتصارح يا دولة الرئيس، كان الانطباع في اللقاء وفي أوساط بكركي وفي البيئة المسيحية الشريكة لك في الوطن، تساؤلات من نوع: هل تحرك شيء ما في الإقليم وفي الخارج؟ هل صحيح مثلاً، أن تطوراً ما قد سجل في بغداد، من نوع تغيير حكومي، قد يفتح الباب على ميني ـــ صفقة سعودية إيرانية برعاية أميركية؟ وهل يمكن أن يتلازم ذلك مع تحديد الموعد الجديد للتفاوض النووي في 24 تشرين الثاني، بما يُحدث ثغرة في جدار الأزمة الخارجية، قد تنفذ منها صفقة وصاية جديدة، تفرض علينا رئيساً جديداً، كما حصل ويحصل منذ ربع قرن من مأساة اتفاق الطائف؟ وهل يعقل أن يكون توقيت كلامك مرتبطاً بهذا الحراك الخارجي لا غير؟ بحيث يبدأ في بيروت تمهيد بلدي، يلاقي الصفقة الدولية، فيكون للبنان تعيين آخر برفع الأيدي نفسها، وبصم الأصابع ذاتها، مرة أخرى؟

أما إلى أين يمكن لخطابك أن يقود البلاد، فمسألة أخرى طرحت في النقاش. وعفواً يا دولة الرئيس حيال شفافية المصارحة، أنها كانت مقلقة أيضاً بل أكثر. فخارطة الطريق التي طرحت، برغم نيتها الطيبة وصدق دوافعها، محكومة بالمأزق المستمر محلياً. لا مفتاح في ذاتها لحل أو حلحلة. لكنك أرفقتها بقولك «أننا لم نعد نستطيع أن نتفرج على تعطيل دائم للنصاب بحجة غياب التوافق المسيحي». والأهم أنك سبقتها بإشارتك إلى «أننا وضعنا غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وطبعا حلفاءنا، بتفاصيل حواراتنا، وفلسفتنا لمقاربة الاستحقاق الرئاسي، التي أساسها أننا، كما غبطة البطريرك، نعتبر الشغور في رئاسة الجمهورية أكبر خطر على لبنان ونظامه الديمقراطي ووجوده». كلام مقلق يا دولة الرئيس. إن لم يكن في حيثياته، فعلى الأقل في استذكاراته. واسمح لعقولنا بالا تُستغبى وبألا تتعطل، كما عطل النظام الطائفي كل آلياته. فالعقل الموضوعي يذهب في قراءة كلامك كالآتي: هناك متغيرات خارجية آتية في العراق، بين الرياض وطهران برعاية واشنطن، يمكن أن تمثّل الفرصة السانحة. وهناك موقف من بكركي يدعو إلى ملء الشغور كيفما كان. عندها يجري عطف اللحظة الخارجية على الموقف البطريركي، فيفرض على بكركي وعلى المسيحيين وعلى كل اللبنانيين، أي رئيس كان. لا بل أي دمية تفرضها صفقة الخارج. فتغطيها بكركي مضطرة، في لحظة خوفها على الوطن والكيان والنظام والميثاق. ونكتشف متأخرين أن فقدنا سيادتنا، تمهيد لخسارة وطننا.

حق العقل يا دولة الرئيس، أن يدفعه كلامك، لا من حيث الظن في نياتك، بل من حيث استذكار ربع قرن كامل، إلى استحضار مأساة الطائف مرة ثانية. وأن يتصور في خارطة طريقك سيناريو 13 تشرين ثانٍ، سياسياً هذه المرة. بحيث تسحق إرادة المسيحيين وكل اللبنانيين. ونسقط في وصاية دولية، لم تنته قبل أقل من عقد، إلا بنضالات كثيرة، كانت آخرها دماء والدك يا دولة الرئيس.

صحيح أن إيمان بكركي يكفيها حصانة من لدغة جحر واحد مرتين. لكن الصحيح أيضاً أن الإيمان لا يعطل العقل يا دولة الرئيس، لا عندك ولا في بكركي، ولا طبعاً عند كل صاحب عقل.