IMLebanon

كلام في السياسة | مصرف لبنان غافل عن أموال «داعش»؟!

بعد التقرير المفصل عن وجود جيش كامل تابع لتنظيم «داعش» على مقربة من الحدود الشرقية للبنان، والذي كشفته جهة سياسية لجريدة «الأخبار» في عددها الخميس 10 تموز، توقفت الجهة نفسها عند جانب آخر ملازم للقضية ولا يقل خطورة.

يبدأ الكلام عن هذا الملف الخطير الآخر عند خبر صغير وزعته السلطات السورية في اليوم نفسه، مفاده «أنه نتيجة عمليات التدقيق التي تقوم بها هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (السورية الرسمية) على «شركة الهرم» للحوالات المالية، تبين للهيئة قيام الشركة المذكورة بتنفيذ عمليات تحويل أموال من محافظة الرقة وإليها. وذلك يخالف القرارات الصادرة من الجهات المختصة». قد يكون الخبر المذكور عادي الشكل أو روتيني المضمون. غير أن الأمر في حقيقته وأبعاده يكشف مخاطر داعشية كبيرة، خصوصاً على لبنان، كما تؤكد الجهة اللبنانية نفسها.

كيف؟ تشرح الجهة ذاتها أن أوساطاً سورية رسمية كانت منذ أشهر طويلة قد أبلغتها أن دمشق تخوض معركة شرسة ضد شبكات تمويل «داعش»، وأنها تعتبر قنوات نقل الأموال الى ذلك التنظيم الإرهابي مسألة موازية في الخطورة لعملية نقل الأسلحة والذخائر إليه. ومنذ أسابيع قليلة أفادت الأوساط السورية بعض الرسميين والسياسيين في بيروت أن معطيات بدأت تتجمع لديها تشير الى أن عمليات نقل الأموال من «داعش» واليها تمر عبر محطتين رئيسيتين: أربيل وبيروت. وهو ما كانت قد أشارت اليه «الأخبار» أيضاً في عدد 17 حزيران الماضي. غير أن تلك المعطيات لم تتوقف عند هذا الحد. فخلال الأسبوع المنصرم، توافرت لدى السلطات السورية معلومات إضافية حول الموضوع، أرخت ظلالاً من الظن حيال بعض شركات تحويل الاموال وشركات الصرافة في سوريا. منها شركات «الفؤاد» ومقرها الأساسي في درعا، و«القدموس» و«بيكو» و«الهرم». ونتيجة التعقبات، تمت مداهمة مركز سري للبيانات المعلوماتية، عائد للشركة الأخيرة، حيث عثر على كمية كبيرة من الوثائق المالية التي تؤكد قيام الشركة بتنفيذ عمليات تحويل أموال من محافظة الرقة السورية وإليها، علماً بأنها المنطقة التي تسيطر عليها «داعش» منذ مطلع كانون الثاني الماضي.

وبتحليل تلك البيانات المضبوطة، كما بدراسة حركة سوق الصرافة بين دمشق وخارجها، تبين للسلطات السورية أن الشركة المشتبه في تورطها في تمويل «داعش» لديها عدد كبير من مكاتب الوكلاء المتعاملين معها في عدد من المناطق اللبنانية. واللافت أن الشركة المذكورة غير مرخص لها من قبل مصرف لبنان لممارسة تلك الأعمال المالية فوق الأراضي اللبنانية. ولذلك فهي تتحايل على لاقانونيتها باللجوء إلى مكاتب صرافة عميلة، تتولى تنفيذ عمليات التحويل المالية مباشرة مع «الزبائن» المفترضين. وتبين في التحقيقات أن مبالغ تقدر بملايين الدولارات الأميركية تمر دورياً من عاصمة «داعش» في الرقة إلى بيروت وبالعكس. وكون الشركة المشتبه فيها غير مرخص لها، أعفاها من لجوئها إلى تقديم بيانات موثقة وقيود تثبت هويات زبائنها في لبنان ممن يحولون الأموال أو تحوّل إليهم. وهو ما يبدو أن الجهات المعنية في مصرف لبنان تقاعست عن ملاحقته أو غضت الطرف حياله، كما رجّحت الأوساط السورية المعنية.

وبإحالة الملف برمته على التحقيق المالي في دمشق من قبل «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» السورية الرسمية، باتت السلطات السورية متأكدة من أن أموالاً ضخمة تأتي من جهات خليجية إلى مصارف لبنانية في بيروت، وذلك لحساب أفراد غير معروفين. بعدها يتولى هؤلاء سحبها نقداً، وتحويلها بأسماء مستعارة، عبر مكاتب صرافة معينة، إلى عاصمة «داعش» في الرقة، عبر الشركة السورية المشتبه فيها، كما عبر شركة سورية أخرى يجري التدقيق في بياناتها حالياً. كذلك فإن بعضاً من التمويل الداعشي الذي يتم عبر أربيل، ينفذ من عاصمة كردستان العراقية بالطريقة نفسها، وعبر مصارف لبنانية هناك. كذلك باتت السلطات السورية نفسها متأكدة من أن القسم الأكبر من عائدات النفط السوري المسروق من قبل «داعش» في الرقة، والمقدر راهناً بنحو 50 ألف برميل يومياً، يجري تحويلها بواسطة سماسرة ماليين إلى بيروت. بمعنى أن تقوم «داعش» ببيع النفط عبر تركيا، وتتقاضى أموالها عبر لبنان، وذلك بواسطة شبكة تحويل الأموال نفسها.

كيف تتم كل هذه العمليات المشبوهة من لبنان وإليه وعبره، من دون علم السلطات المالية اللبنانية، وتحديداً مصرف لبنان؟ تقول الأوساط السورية الرسمية إن عنوان السلطات السورية الرسمية المعنية بهذه الملفات معروف في دمشق. غير أن أياً من المسؤولين اللبنانيين لم يبادر إلى الاتصال بها أو سؤالها أو التنسيق معها. كذلك فإن «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» السورية، يعرفها جيداً مسؤولو مصرف لبنان، ويعرفون مسؤوليها، ويدركون أكثر من سواهم أنها هيئة تقوم بعملها على المستوى الكامل بين سوريا والمجتمع الدولي برمته، بدليل مشاركتها الدائمة إلى جانب المسؤولين اللبنانيين المعنيين في كل المؤتمرات الدولية المتخصصة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ومع ذلك لم يبادر أي مسؤول لبناني معني إلى التنسيق معها في ملف خطير جداً بالنسبة إلى الأمن اللبناني المالي كما العسكري.

أكثر من ذلك، تقول الأوساط السورية نفسها، قبل أيام أكدت جهات رسمية في دمشق لوسائل الإعلام أنها تقوم حالياً، بالتعاون مع الجهات الدولية المسؤولة، بالتدقيق في الحسابات المالية والأرصدة المصرفية لعدد من الشخصيات السورية المقيمة داخل سوريا وخارجها، على خلفية الاشتباه في بعض تلك الحسابات. وفي الفترة المقبلة سيتكشف أن بعض تلك الحسابات، وبأرقام ضخمة، موجودة في لبنان. فكيف سيعلل ذلك مسؤولو مصرف لبنان؟! لتختم الأوساط السورية نفسها: هناك في الحكومة اللبنانية من يفضّل تحميل لبنان خطر انفجاره تحت ضغط أكثر من مليون نازح سوري، مقابل ألا يقوم بالاتصال مع السلطات السورية في دمشق للبحث في كيفية حل هذه القضية الإنسانية الكبرى. فهل هناك في مقار أخرى في بيروت من يفضّل ترك لبنان يتحمّل سلاح «داعش» ويُنكب بتمويل «داعش»، مقابل ألا يتصل بالسوريين لمواجهة هذا الخطر المشترك؟ سؤال برسم البعض في بيروت.