الى اي مدى يمكن لكلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان يصل، بالنسبة الى قوله لمقاطعي جلسات انتخاب رئيس الجمهورية انهم «غير احرار»، لاسيما ان هؤلاء «لم يفهموا الى الان ان عدم انتخاب الرئيس يؤسس لانهيار الدولة، والكلام عينه صدر عن الرئيس ميشال سليمان عندما قال «لن نسمح بأن يكون لبنان ساحة لصراع الاخرين»، في اشارة منه الى ان عدم وجود رأس للدولة سيؤدي تلقائيا الى صراع مصيري، بدليل ما قاله ايضا وزير الخارجية جبران باسيل ان «لبنان عصي على التقسيم» من غير ان يحدد ماهية الوسائل التي تمنع التقسيم، لاسيما ان مخيلة اصحاب العقول المريضة، وما اكثر هؤلاء، لم يستوعبوا الى الان اهمية عدم ترك البلد من دون رئيس!
وفي مقابل ما تقدم، يحذر حزب الله بالسنة وزرائه ونوابه من خضة امنية، من دون اشارة الى ما اذا كان الحزب سيقف ضد اية محاولة لزرع فتنة مذهبية من النوع الذي سبق له ان ساهم به، وليس من ينسى احداث ايار يوم اجتاح الحزب العاصمة ووصل الى مناطق في الجبل وشمال لبنان والبقاع، اضافة الى ان حزب الله هو الفريق السياسي الوحيد الذي يمثل البيئة الحاضنة للخوارج وبالتالي الحاضنة للارهاب بدليل ان مشاكله مع سواه لم تنته ولا تزال عالقة في محاكم داخلية ودولية؟!
والسؤال الذي لم يرد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري هو «هل صحيح ان الانتخابات الرئاسية في آخر اهتماماته، نظرا لتركيزه على عقد جلسة تشريعية، مع انه يعرف ان جلسة من مثل هذا النوع لن تجدي نفعا باستثناء تأكيد عدم وجود نية جدية لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، اضافة الى سعي الرئيس بري الى التمديد لمجلس النواب، ربما لانه يعرف ان لا مجال لاجراء انتخابات من دون وجود قانون انتخابي.
الواقع في هذا الصدد ان نواب قوى 14 اذار لن ينساقوا كقطيع مثل المرة السابقة، اضافة الى ان منظمات المجتمع المدني ستمنع النواب من التمديد لانفسهم حتى ولو اضطرهم ذلك الى النزول الى الشارع، كي لا تتكرر المهزلة.
وجديد اللعبة الامنية اطلاق صواريخ من جنوب لبنان على اسرائيل تنديدا بالحرب على غزة، في الوقت الذي لم يعد احد يفهم لماذا لم يستوعب فلسطينيو غزة الحرب عليهم بعد شهور قليلة من اعادة التوازن بين الضفة والقطاع، مع العلم ان صواريخنا مجرد تعبير سخيف عن تأييدنا للغزاويين الذين وجدوا انفسهم في هذا الظرف التعيس وهم يتعرضون لابشع انواع الممارسات الاسرائيلية المجرمة، وكأنهم يخوضون حرب ابادة من جانب واحد، ومن غير ان يحسبوا حسابا لعدم توازن القوة مع العدو الاسرائيلي، بدليل اتكالهم على صواريخ بدائية الصنع مقابل ترسانة سلاح متطور تتكل عليها اسرائيل في حربها معهم. لكن تعبيرنا عن تأييد غزة في حربها مع اسرائيل يكاد يورطنا في زمن يبدو لبنان منشغلا في حال سياسية اسخف مما هو قائم في غزة حيث تبدو قوانا المسلحة غير قادرة على ملء الفراغ الامني في عدد من اماكن التوتر المصطنع.
وفي عودة الى الحال السياسية في لبنان، لا ترى قوى من مختلف الانواع والشرائح مفرا من التسوية، اقله بالنسبة الى ملء الفراغ في الرئاسة الاولى، قياسا على ما يراه الرئيس نبيه بري من «ضرورة التصرف بمسؤولية تجاه اوطاننا واقطارنا ليس لان مسؤولينا غائبون عن المطلوب منهم، بل لانهم غائبون عن سابق تصور وتصميم، بدليل عدم قدرة مجلس النواب على الانعقاد لانتخاب رئيس اولا ومن ثم للتشريع، فيما تنشط بعض الاتصالات لعقد جلسة تشريعية مع العلم ان التشريع لاينقصنا والا لما تأخر المجلس عن تعديل البند المتعلق برئاسة الجمهورية كي لا نصل يوما الى من يقترح الاكثرية للمجيء برئيس مجلس النواب وهكذا بالنسبة الى رئيس الحكومة، وهذا البذخ في التشريع لا بد وان يكرس الفراغ في المؤسسات حيث مر شهران على عدم انتخاب رئيس الجمهورية وحيث لا مجال للقول ان مجلس النواب قائم بقانونية ودستورية وهذا مجلس الوزراء غير قادر على ان يضع جدول اعمال لجلساته، فيما يعرف الجميع اننا بتنا في حكومة لا تحمل من المسؤولية سوى اسمها (…)
ولا حاجة بعد كل الذي حصل ويحصل للقول ان في البلد مؤسسات قادرة على ان تحكم حتى وان كان ثمة اعتراف بأن مجلس النواب قائم وهو على قيد الحياة مثله مثل الحكومة التي تحولت الى سلطة امر واقع؟!