IMLebanon

كل الدعم خارج جغرافيا الجنوب والجولان!

حزب الله وغزة في زمن التحوّلات الإستراتيجية

كل الدعم خارج جغرافيا الجنوب والجولان!

قبل اندلاع الأحداث العسكرية في غزة، وبدء تطوّر الموقف الميداني والسياسي بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية، ممثّلة بالجناح الأكبر والأقوى «حماس»، كانت تدور أسئلة حول ماذا يمكن لحزب الله أن يفعل، إذا استدرجته اسرائيل الى معركة في الجنوب اللبناني، والبقاع الغربي، وهو غارق، بكل قوّته في المعارك الشرسة والطاحنة، التي تدور في سوريا بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية، التي كانت ممثّلة أول الأمر، في «الجيش السوري الحر»، المنشق عن الجيش النظامي الرسمي، قبل أن تظهر فصائل «جهادية» أو متطرّفة، أو إسلامية مثل «النصرة» و«جيش الإسلام»، وأخيراً «داعش»، وفصائل مقاتلة أخرى مرتبطة على هذا النحو أو ذاك بتنظيم القاعدة.

كانت الأسئلة، من النوع الافتراضي، أو الإستباقي، على طريقة سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، على الساحل الغربي والعربي، الذين يباكرون بكل شيء، من النهوض صباحاً، الى الذهاب الى الأسواق، فضلاً عن التحسّب لما يحصل غداً، لذلك كانوا يكثرون من استطلاع عالم الغيب، بالتنجيم حيناً، والرؤى أحياناً..

بالنسبة للجنوبيين، القابعين في قراهم وأريافهم ومدنهم، التي لم تصبح مدناً بعد، سواء أكانوا في الضاحية الجنوبية، أو الجنوب، جنوبي النهر أو شماله، أو في البقاع الشمالي وامتداداً باتجاه الحدود مع سوريا، من القرى اللبنانية الخالصة، الى القرى «الهجينة» بين لبنان وسوريا، يعنيهم الوضع مع اسرائيل، سواء أكان تهدئة أم اشتباكا، في الظروف الإقليمية المعروفة، بعد اختلاط الرؤى، واعتبار فرقاء كثيرين أن ساحة المعركة المشروعة الآن هي حسم المواجهة، أو تصفية الحساب، مع أنظمة حكم أو جماعات حاكمة، في لعبة المحاور التي تقف إيران على رأس واحد منها، وتقف دول عربية وخليجية أخرى وإقليمية (كتركيا مثلاً) على رأس محور آخر، في ما يسمّى في وقت من الأوقات «بالربيع العربي».

بعد العام 2006، حدثت مواجهات أمنية، وتصفية حسابات بين «حزب الله» الذي خرج ظافراً من حرب الـ 33 يوماً، وإسرائيل، التي تحدثت لجنة فينوغراد عن إخفاقات لجيشها، اعتبرت كارثية، من الناحيتين الميدانية والاستراتيجية، وحدثت معركة غزة رقم 1 عام 2012، وصولاً الى معركة غزة رقم 3 عام 2014، ومع ذلك بقيت الجبهة هادئة، عملاً بالقرار 1701، الذي أوقف العمليات العسكرية، ولم يعلن وقفاً للنار بين الجانبين.

بعد هذه السنوات، مضى الحزب يعلن زيادة ترسانته الصاروخية، ومضت تقارير الاستخبارات الاسرائيلية تعلن أن الحزب كفصيل عسكري من القوى السبع الضاربة في العالم، وكانت وسائل الإعلام الغربية والأميركية والإسرائيلية لا تترك مناسبة إلّا وتتهم الحزب فيها بالعمليات الإرهابية، حتى لو وقع حادث منها على المريخ، وليس القمر، فضلاً عن استصدار قوانين من الكونغرس، أو الاتحاد الأوروبي بحثاً عن عقوبات ضد الحزب والمؤسسات المالية أو الاجتماعية المتعاملة معه، ومع ذلك كانت حسابات الاشتباك الميداني، في حرب جديدة، مسألة بالغة الخطورة، وتخضع لحسابات غاية في الدقة، ليس على المستوى العملياتي وحسب، بل على مستوى وقائع الصراعات الجارية في العراق وسوريا والبحرين واليمن، وسواها من دول الشمال الإفريقي العربي، للهيمنة على الجغرافيا بمواردها البشرية والاقتصادية وثرواتها الدفينة والمالية، فضلاً عن مياهها ونفطها..

في اللعبة الكبرى هذه، لم تسقط اسرائيل مشروعيتها كعدو للمحور الإيراني – السوري، وحزب الله وحركات المقاومة، على الرغم من تميّز موقف حماس كبرى حركات المقاومة الفلسطينية، ولكن الحسابات على الأرض تبدّلت، أضحى المحور في اللعبة هذه، معنياً، ليس بإزالة اسرائيل من الوجود «كغدة سرطانية» وفقاً لأدبيات المحور المذكور، بل معنياً بالحفاظ على جغرافيا سيطرة هذا المحور من شط العرب الى ساحل طرطوس، مروراً بجبال صنعاء، وجسر البحرين، مع اشتداد المعركة للحسم في سوريا والعراق واليمن.. من دون إغفال مفاوضات الملف النووي الإيراني.

كان المحور الذي تقوده إيران، يتطلّع لإعادة الاعتبار للصراع مع اسرائيل.. فإذا بأحداث غزة تعيد الاعتبار الى «بوصلة» الصراع، وتجعل من القضية الفلسطينية، الهدف الأول لإعادة خلط الأوراق والمعادلات، ومسك جديد للملف الأكثر إغراء، وهو الموضوع المتعلق بالصراع السياسي والعسكري مع اسرائيل.

عبّرت «حرب غزة» الراهنة عن استجابة لهدف تتحرك من أجله «قوى الممانعة» ودول محور المقاومة، والذي من شأنه إعادة خلط الأوراق الإقليمية برمّتها، والسماح لإعادة وصل ما انقطع بين محور إيران – سوريا – حزب الله، وحركة «حماس»، وما تمثّل على جبهة المحور الإسلامي المعتدل، المتحرّك على صعيد الربيع العربي وانتفاضاته الناجحة والمخفقة في الوقت نفسه..

تصرّف «حزب الله» في معركة غزة، من زاوية أنه هو المعني المباشر بإعادة وصل ما انقطع على صعيد جبهة حركات المقاومة:

1- سياسياً: عمّم حزب الله أن اتصالاً أجراه أمينه العام السيد حسن نصر الله مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس «الأخ أبو الوليد خالد مشعل» ومع الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي».

2- إعلامياً: ألغت قناة «المنار» عدداً من البرامج الرمضانية لحساب زيادة ساعات البث في مسألة تغطية مواجهات المقاومة في غزة، والجرائم الإرهابية والبشعة، التي ترتكبها اسرائيل ضد أطفال ونساء غزة والمستشفيات والمدارس، والمصانع والمعامل.

3- شكّلت إطلالة السيد نصر الله في يوم القدس، مناسبة لرسم حدود الموقف بين دعم المقاومة في غزة، ومسارات هذا الدعم، تبدأ بالدعم السياسي ولا تنتهي بالدعم التسليحي، وفقاً لقاعدة «ما يستطيع وما يطيق» كل مَن يدعم المقاومة..

وكشف السيد نصر الله أن «الحزب يتابع بدقة وبالتفاصيل كل مجريات المعركة القائمة الآن».

وهذه العبارة تعني أن المسألة تعدّت الإطار العام الى ما هو ميداني، مادي، مخابراتي، تسليحي، من أجل ضمان حدود النصر، ومنع العدوان الاسرائيلي من تحقيق أهدافه.

قبل خطاب نصر الله، رسم المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي حدود المعركة جغرافياً، ضمن أراضي السلطة الفلسطينية، أي ضرورة انتصار الضفة الغربية لغزة..

المسألة الملحّة، هي أن تجاوز الخلافات والحساسيات مع «حماس» في ما خصّ سوريا، ومشاركة الحزب في المعركة الدائرة هناك، محصورة في دعم المعركة داخل جغرافيا غزة، وليس خارجها، لا من الجولان السوري ولا من الجنوب اللبناني. وهنا أهمية الرهان على عدم تعريض الجنوب وجغرافيا حزب الله لمعارك جديدة مع اسرائيل، ستكون أشد هولاً وخطراً من سابقاتها بما لا يُقاس؟!