IMLebanon

كوما “أم تخدير”؟

أغلب الظن ان اللبنانيين، الذين هبطت عليهم نعمة ” “المونديال” في الاسابيع الاخيرة وجعلتهم في أمسياتهم الهازجة بصخب الاصطفافات الرياضية هذه المرة يهربون من يوميات الازمات الداخلية باتوا يدركون تماماً ان المهدئات وحدها وعلى انواعها المختلفة هي ملاذهم في هذه الازمات. اذ ثمة واقع يبرز لمرة نادرة قلّ نظيرها في اي من الحقبات السابقة التي عرف فيها لبنان ازمات دستورية بهذا الوضوح يتمثل في انكشاف هائل للقوى السياسية اقعدها تماماً عن اي قدرة على المبادرة. وسواء كان ذلك صنيعة مخطط مدبر لإحداث الفراغ الرئاسي او بفعل عجز حقيقي عن اي اختراق للازمة، ترانا الآن أمام “هيكل” سياسي ودستوري منزوع القدرة على مغادرة الموقع الذي حاصرته فيه الازمة.

ليس تفصيلاً نافلاً ان يسمع اللبنانيون ان 24 وزيرا مع رئيس الوزراء استهلكوا اكثر من ساعة ونصف الساعة في توقيع مراسيم متراكمة في جلسة مجلس الوزراء “الوكيل” عن الرئاسة. لم يكن ذلك اجراء يمر بلا رفة جفن وهو اقرب الى تطبيع البلاد مع واقعين يتنافسان في الخطورة الدستورية. واقع التكيف القسري او الارادي للقوى السياسية مع الفراغ الطويل مما يساهم في تطويله، وواقع رسم خلفية “فيدرالية” في حكم جماعي ولو موقت عبر منهجية التواقيع على المراسيم الحكومية.

لا يقنعنا كل كلام على الضرورات التي تبيح المحظورات فيما بدأ الحديث عن التمديد لمجلس النواب ينافس بدوره التمديد للفراغ الرئاسي، ويتزاوج المساران في خبث سياسي فاضح بحجج وبلا حجج. ان نخشى ما نخشاه هو ان يكون هناك اعداد عن سابق تصور وتصميم لتوظيف الفراغ الرئاسي حتى آخر قطرة، والشروع عملياً هذه المرة في تجويف الطائف تمهيدا للاجهاز عليه. ولعل ما يخيفنا اكثر هو ان يتساوى الاستسلام لدى اهل الطائف والمدافعين عنه مع المهندسين عن دأب لتعميم الفراغ في انتظار ساعة الصفر بحجة الخمود السياسي الذي جعل كل محركات السياسة والمبادرات الداخلية تخمد مرة واحدة وبالضربة القاضية. مثل هذا الخمود هو السلاح الامثل لربط الازمة الرئاسية بالبراكين الاقليمية ومن ثم بالتسويات والصفقات الكبرى الجاري هندستها على نار المنطقة اللاهبة. والا فما معنى ان ينخرط الجميع في تبرير التكيف مع الفراغ بذريعة التخويف من الاستهدافات الارهابية على قاعدة شكر العناية الالهية لان لبنان لم يلتحق بالكامل بعد باللعنة الداعشية ومشتقاتها ؟

وترانا لا نبالغ إن توجسنا من ذلك الاستغراق الطويل في “كوما” سياسية لم تعد مجرد تعبير عن عجز داخلي مقدار ما تؤشر الى تمهيد للاسوأ. فحتى بورصة المرشحين ذهبت تحت سنابك الخيل. ألا تحرككم حشرية في السؤال عن السبب؟