لا تزال الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية الأميركية جون كيري الى بيروت تتفاعل، بدليل أنّ السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل يواصل زياراته التطمينية الى كبار المسؤولين وقوى «14 آذار» لمزيد من التوضيحات بعد البلبلة التي أثارتها تصريحات كيري على المستويَين السياسي والحزبي خصوصاً تلك التي تناول فيها دور «حزب الله» في سوريا. فما الذي نقله هيل الى اللبنانيين؟
دفعت الملاحظات التي سجَّلها رئيسا مجلس النواب والحكومة نبيه برّي وتمام سلام وتلك التي عبَّرت عنها قيادات من «14 آذار» إزاء تصريحات كيري، إلى قيام هيل بجولة عاجلة على كبار المسؤولين والأمانة العامة لقوى «14 آذار» لنقل مزيدٍ من التطمينات والتوضيحات. فكان واضحاً وصريحاً، وقبل أن يدخل في تفاصيل كثيرة وحتّى المملة منها لفت الى سوء الترجمة، وصولاً الى اعترافه بأهمية بعض الملاحظات ولا سيما تلك التي عبَّر عنها سلام، فقد نسيَ كيري بعضاً ممّا كان يرغب في إبلاغه اليه لضيق الوقت ربما.
بعد ردات الفعل التي تركتها تصريحات كيري، طلب هيل مواعيد عاجلة من كبار المسؤولين وتمنّى عقد لقاء موسع مع الأمانة العامة لقوى «14 آذار» من أجل شرح مواقف بلاده من العناوين التي تناولها كيري، مبدياً إهتماماً بالغاً بردات الفعل السلبية التي تركتها الزيارة. وقد لفت هيل الجميع الى أنّ كيري خصَّص اربع ساعات للبنان من جولته في المنطقة بهدف تأكيد الرعاية الأميركية لملف النازحين واللاجئين السوريين وتقديم العون الإضافي الى المجتمعات المضيفة خصوصاً لبنان الذي أرهقته موجة النزوح السوري على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية والمادية، لافتاً الى أهمية أن يدعم العالم لبنان لمقاسمته الكلفة الباهظة للنزوح ومعاونته لمواجهة آثارها السلبية.
على هامش الزيارة، كشف هيل أنّ كيري نسيَ أن يبلغ سلام قرار وزارة الخارجية تخصيص 52 مليون دولار للحكومة اللبنانية في مواجهة أزمة النازحين، وذلك بسبب ضيق الوقت، قبل أن يعلنه من على منصة السراي الحكومي حيث قرأ بياناً مكتوباً سلفاً ربما أعدَّه وهو في الطائرة الى بيروت.
ولفت هيل إلى أنّ الملف الرئاسي لم يكن في أولويات كيري، الذي كان واضحاً عندما أبلغ اللبنانيين أنّ الملف شأن لبناني وأنّ الولايات المتحدة لا تملك أيّ مبادرة ولا تشجع على انتخاب أحد المرشحين المتداوَلة اسماؤهم في وسائل الإعلام اللبنانية، وأنّه حضَّ المسؤولين اللبنانيين على أهمية أن يتوافقوا لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم تجاوزهم المهلة الدستورية. فاليوم أفضل من الغد وإنجاز الإنتخاب بالسرعة القصوى أمر إيجابي، لأنّ المخاطر والتشنّجات تنبت على الطريق متى طالت العملية.
والى تلك المرحلة قال كيري: نحن الى جانبكم وحريصون على الإستقرار الأمني بمقدار قلقنا من تداعيات ما تشهده الساحة السورية، ونخشى انتقال مظاهر العنف الى لبنان. لذلك لن نوفّر قدرة لتعزيز هذا الإستقرار. فنحن على تماس مع حاجات الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية والعسكرية وهي قائمة على قدمٍ وساق، ونقدّر حاجاتهم في المستقبل وسنشارك في مؤتمر روما المخصص لدعم الجيش اللبناني عملاً بالآلية التي أقرّها مؤتمر «مجموعة العمل الدولية من اجل لبنان» التي التأمت في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 ايلول من العام الماضي. ولم ينسَ كيري أن يلفت النظر الى أنّ زيارة قائد المنطقة الوسطى في القيادة الأميركية الى بيروت الجنرال اوستن بعد زيارات قادة اميركيين آخرين إلى المنطقة تحمل الهدف والمردود نفسيهما، ولِنبقى على اتصال مع قيادة الجيش والمراجع المعنية، وهذه الزيارات هي اكبر إثبات على حجم اهتماماتنا بهذا الموضوع، فكونوا على ثقة بأننا سنبقى شركاء أقوياء منخرطين في العمل عبر المؤسسات اللبنانية لتقويتها ولتعمل بطاقة متكاملة لمواجهة الإستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة. الى ذلك، نصح كيري المسؤولين اللبنانيين بالالتفات الى ملف انتخابات الرئاسة في لبنان على أنه ملف لبناني داخلي، فأولويّات بلاده والعالم لا تشمل لبنان في هذه المرحلة، متمنياً بقاء اللعبة بين المؤسسات اللبنانية التي يجب أن تعمل لتقوم بدورها كاملاً، فلا يبقى الشغور في قصر بعبدا مدة طويلة، ولذلك على الحكومة الحفاظ على وحدتها وتضامنها لملء الفراغ بحدٍّ أدنى يضمن استمرار العمل في المؤسسات.
وفي هذا الإطار، دعا كيري الى عدم انتظار المفاوضات النووية التي تقودها ايران مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول (5+1)، لأنها لا تزال في بداياتها ولها آلية متشعّبة قد تتعقد في جوانب ومراحل منها او تتحلحل، ولذلك لا مصلحة لكم في انتظارها لأنها قد تطول وليس من مصلحتكم البقاء معلّقين على نتائج لا يمكن تقديرها من اليوم.
وعن الموقف من «حزب الله»، جدّد كيري التأكيد أنّه منظمة ارهابية في حسابات الولايات المتحدة الأميركية وهيئات دولية أخرى، والحزب تجاوز في تدخله العسكري في سوريا كل الأعراف وهو يلعب دوراً مدمراً خرج من خلاله عن القوانين اللبنانية. فعمل عكس ما يقول به الدستور وناهض مضمون «اعلان بعبدا» وخرج عن قرارات الحكومة اللبنانية وطاولة الحوار ومبدأ النأي بالنفس وحياد لبنان، وهو أمر له تردّدات سلبية في المستقبل على علاقات اللبنانيين بجيرانهم. لذلك، قال كيري إنّ موقفنا واضح من الحزب وما يقوم به في لبنان وفي أكثر من منطقة من العالم، ما يُهدّد السلم الأهلي في لبنان والمنطقة وهو لم يعطِ الى اليوم أيّ إشارة الى إمكان التحرّر من هذه الأدوار التي يقوم بها.
ومن كلامه عن «حزب الله»، انتقل كيري للحديث عن الوضع في سوريا، فاعتبر أنّ ما استخدام النظام المفرط للقوة إلّا تعبيراً عن وحشية لم يشهدها أيّ نظام في العالم الى اليوم، وهو نظام استدرج المتطرفين والإرهابيين من كل اصقاع العالم الى بلاده وجيرانها في المنطقة، وهو المسؤول الأول والوحيد عن استدعائهم الى المنطقة. ولذلك فهو المسؤول عمّا يحصل على مستوى أزمة اللاجئين السوريين بالملايين الى الدول المجاورة ودول العالم التي تستضيفهم. وأضاف: نعرف أنّ النظام بطريقة تعاطيه مع المدنيين في المدن والقرى السورية، والى جانب «مهزلة الإنتخابات الرئاسية»، يسعى لاستدراج العالم الى مفاوضات سياسية لن يحصل من خلالها على أيّ اعتراف دولي إنما سيحصل على مزيد من الإدانة.
وعن الدور الإيراني في سوريا والمنطقة ومنها لبنان، رأى كيري أنّ طهران تسعى الى التمدد في المنطقة على حساب أمن ابنائها ومصالحهم، ومن خلال المآسي التي تعيشها سوريا وشعوب المنطقة، وهو أمر يُعقّد الأمور أكثر ممّا يسهلها. لذلك نركز في مفاوضاتنا على أهمية وقف هذه الأدوار السلبية لما فيه تعزيز فرص السلام واستعادة المنطقة هدوءها النهائي على أسُس سلمية بعيداً من كل اشكال العنف والإضطراب.
وختم كيري مداخلاته، مجدِّداً تأكيد احترام النظام في لبنان وما يقوله الدستور، لافتاً الى أنّ الولايات المتحدة تتطلّع اليه كدور رائد في حماية الديموقراطية، وهو موقف نتقاسمه مع الدول الغربية والأوروبية، وفرنسا واحدة من هذه الدول.