في ثالث رسالة توجّهها «الثورة» في سوريا إلى الشعب اللبناني، جدّد «الائتلاف الوطني» تأكيد سعي قوى الثورة والمعارضة السورية لتصحيح العلاقات الملتبسة بين لبنان وسوريا، وتعهّد بـ»إعادة النظر في الاتفاقيات والمواثيق الموقّعة بين البلدين خلال زمن الوصاية البغيضة»، والعمل على «إقامة علاقات دبلوماسية سويّة بين البلدين»، مشدّداً على أنّ «النزوح السوري إلى لبنان قهريٌّ وموَقَّت، ولا داعي لأيّة خطابات تحذيرية من توطين افتراضيّ». فكيف تتعامل القوى السياسية اللبنانية مع هذه البادرة؟ وما هي الخطوات العملية التي ستلي هذه الرسالة؟
رأى «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية» في الرسالة الثالثة للمعارضة السورية الى الشعب اللبناني، أنه «لا يحق لأحد العمل من أجل الوصاية على لبنان واستتباعه، كما فعل نظام الأسد تحت مقولة «شعب واحد في بلدين». وكرّر تأكيد العمل على «سياسة عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للآخر، وإعادة النظر في الاتفاقات والمواثيق الموقّعة إبّان زمن الوصاية، وإقامة علاقات ديبلوماسية سويَّة بين البلدين، وترسيم الحدود، والتحقيق جدّياً في ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين». وأكّدت الرسالة أنّ «نظام الأسد هو الذي اخترَع «مسألة أقلّيات» دينية وعرقية في سوريا، محاولاً استخدامها من أجل استمرار حكم العائلة، وأنّ سوريا أصبحت «مسرحاً لجريمة العصر، ينفّذها نظامٌ وحشيٌّ بدم بارد، وبكلّ ما يمتلك من أسلحة، بما فيها أسلحة الدمار الشامل، وسط صمتِ القوى الفاعلة في العالم والمنطقة، لا سيّما مجلس الأمن الدولي».
واعتبر أنّ «مِن حق الدولة اللبنانية على المجتمعَين العربي والدولي، لا سيّما هيئات الإغاثة والحكومات المانحة، أن تتلقّى المساعدات العاجلة والوافية بمهمة رعاية النازحين على نحو لائق، وتنظيم عمليات الإيواء والرعاية»، متمنّياً على الدولة ألّا تسمح بتسليم النازحين الهاربين من نظام الأسد إليه بذريعةٍ أو بأخرى. وكرّر «الائتلاف الوطني السوري» صراحةً رفضَه الإرهاب، أكان تكفيرياً سنّياً أو شيعياً، وأنّه يعتبرهما وجهين لعملة واحدة»، وشدّد على أنّ «تدخّل حزب الله في سوريا هو خطيئة كبرى». ودعا الدولة اللبنانية الى «وضع حدّ حاسم لهذا الزلل التاريخي الكبير»، وأعلن «رفض أيّ ردّ فعل انتقامي ضد الآمنين في لبنان إلى أيّ طائفة انتموا».
وفي هذا الإطار، أكّدت عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف» في لبنان عليا منصور لـ «الجمهورية»، «أنّنا مقتنعون تماماً بأنّ نظام الأسد شكّل أيضاً معاناة للشعب اللبناني من وجوده في لبنان»، مشدّدةً على «أنّنا نطمح لإقامة علاقات طبيعية ندّية بين دولتين مستقلّتين، من دون تبَعية أو تدخّل بالشؤون الداخلية لكلا البلدين، لأنّ الديمقراطية السورية واستقلال لبنان هما عاملان أساسيان في العلاقة بين البلدين».
ولفتَت منصور إلى «أنّنا نحاول الانفتاح على كلّ الأطراف اللبنانيين، من دون أن يتعارض ذلك مع موقفنا المبدئي من الثورة السورية»، متوجّهةً إلى الشعب اللبناني بالقول: «إنّ قضيتنا مشتركة، ألا وهي العدالة والحرّية والديمقراطية والاستقلال، والتصدّي للتطرّف من أيّ جهة أتى».
وإذ أعلنت رفض «الائتلاف» التواصلَ مع الجماعة التي تشارك يومياً بقتلِ الشعب السوري والضغط على النازحين السوريين وتهديدهم بأمنهم ووجودهم ما لم يشاركوا بالمهزلة التي تحصل»، أضافت: «فـ»حزب الله» ليس فريقاً نختلف معه سياسياً، بل هو شريك بقتلنا». ولفتت منصور إلى «أنّ تواصلنا سيقتصرعلى قوى «14 آذار» وجميع القوى اللبنانية الوطنية التي لا تشارك بقتل الشعب السوري»، موضحةً «أنّنا سنحاول الانفتاح على كلّ الأطراف المستعدّة لأن يكون لديها موقف أخلاقيّ ممّا يتعرّض له الشعب السوري، فما يحصل في سوريا هو أزمة أخلاقية في ظلّ نظام مجرم يقتل الشعب بدعمٍ من إيران و»حزب الله» والميليشيات العراقية».
وفي وقت كشفَت منصور «أنّنا ننتظر موقف «14 آذار» والحكومة اللبنانية وكلّ الأحزاب اللبنانية، لنبني على أساسها الانفتاح بين البلدين وعلاقات جدّية وندّية مع جميع هذه الأطراف لفتح حوار نحو مستقبل أفضل للعلاقة بين الدولتين»، رحّب منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد بالرسالة الثالثة للمعارضة السورية، لافتاً إلى أنّ «الرسالة تعود لتؤكّد على وحدة الشعب السوري وعلى عدم إعطاء هذه الثورة الطابع الإسلامي الذي يحاول الرئيس بشّار الأسد صبغَها فيه، كما أنّ هناك اعترافاً من قِبل المعارضة بالعبء الاجتماعي والأمني والسياسي الكبير الذي يشكّله النزوح السوري على لبنان، والذي يأتي أيضاً نتيجة آلة القتل التي يديرها الأسد بمشاركة «حزب الله»، أي بمعنى آخر إنّ تورّط الحزب في سوريا هو الذي يزيد عدد النازحين إلى لبنان وكلّ الدول المجاورة».
وشدّد سعيد في حديث لـ«الجمهورية»، على «أهمّية الرسالة الدقيقة للغاية التي تلقّفناها بترحاب، خصوصاً أنّها تفتح الباب أمام التفكير في علاقات لبنانية – سورية متوازنة». ولفتَ سعيد إلى «أنّني أتولّى شخصياً القيام بالاتصالات اللازمة، لكي نردّ التحية بتحية أخرى مماثلة»، موضحاً «أنّنا نجري أوّلاً الاتصالات في داخل «14 آذار» والتي تحتاج الى بضعة أيام لاستكمالها واتّخاذ الموقف المناسب من أجل توحيد الرؤيا أو القراءة حول كيفية التعاطي مع هذه الرسالة». وأضاف: «وسنضع نتيجة هذه المحادثات بين أيدي الوزراء المعنيّين (أي كلّ من وزير الشؤون الاجتماعية، والداخلية، والدفاع، والخارجية)، وطبعاً سنضعها بين يدي رئيس الحكومة والحكومة جامعة». وختمَ سعيد: «تأتي هذه الرسالة في لحظة تستطيع «14 آذار» إعادة التأكيد على دعمها للشعب السوري في نضاله الصريح والواضح والمكشوف في مواجهة نظام بشّار الأسد».