كيف سيكون الواقع المسيحي اللبناني في «زمن داعش»؟ واشنطن قلقة من هجرة واسعة لـ«الداعشيين» الى لبنان وتستعجل تمرير الاستحقاق الرئاسي في أيلول
تشبه الاوساط المواكبة لمجريات المنطقة المسيحيين بالهنود الحمر من ناحية وجودهم ومصيرهم، الا ان الفارق بين الاثنين ان سكان اميركا الاصليين قاتلوا الرجل الابيض الذي جاءهم من خلف البحار ونجح في ابادتهم وحشرهم في محميات بينما الخطر على الوجود المسيحي المتبقي في لبنان يكمن داخل البيت المسيحي بشكل عام والماروني بشكل خاص، فالمسيحيون اللبنانيون لم يتعلموا درساً واحداً عبر تاريخهم من فتنة 1860 وصولاً الى الحروب العبثية في السبعينات حيث لم يقاتلوا كما تقاتلوا، وعدد الذين سقطوا منهم في حرب اهل البيت الواحد يفوق بكثير عدد من استشهد منهم على خطوط التماس وتحت الشعار المعروف في تلك المرحلة «مات ليحيا لبنان».
وتضيف الاوساط ان الاقتتال المسيحي في فترة السبعينات وطبعاً حول الزعامة كان السبب الرئيسي في نجاح ياسر عرفات باجتياح معظم المناطق اللبنانية والسيطرة على 80 % منها وحكمها بقبضة حديدية وفق ما اعلن ابو عمار عشية اتفاق اوسلو الذي اتاح له العودة الى الضفة الغربية وقطاع غزة وتكوين ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، واذا كان بعض الجهابذة من المسيحيين يحاول تبريد الانقسامات في صفوفهم على خلفية الحرية في الاختلاف والديموقراطية في العمل السياسي، الا ان التبرير المذكور يندرج في خانة المثل «عذر اقبح من ذنب»، فكيف سيكون الواقع المسيحي في عصر «داعش» و«دولة الخلافة» التي تخيّرهم بين اعتناقهم للاسلام «الداعشي» وبين الجزية او قطع الرقاب كما يحصل في العراق بعد تهجير المسيحيين من الموصل واحراق كنائسهم ومصادرة بيوتهم واملاكهم.
وتشير الاوساط الى ان المجريات المرعبة في المنطقة والتي تفرض على المسيحيين التوحد بديهياً على الطريقة الدرزية التي ابتكرها النائب وليد جنبلاط، الا ان الاقطاب الموارنة يلعبون على الرقعة السياسية وكان البلد الصغير يقع في عمق اوروبا او الغرب المتقدم علما ان «داعش» بات له موطئ قدم على الساحة المحلية يتمثل بالوافدين اليه من الخارج ولولا عملية الامن الاستباقي التي اطلقتها الاجهزة الامنية لحصلت اكثر من مجزرة في ظل ارتفاع منسوب الشحن الطائفي والمذهبي.
وتقول الاوساط ان المرحلة الراهنة تعتبر الاكثر استثنائية ودقة على صعيد المصير المسيحي وخصوصا في لبنان، حيث يسكن الفراغ قصر رئاسة الجمهورية وسط الصراعات بين الافرقاء والانقسام الحاصل على الحلبة المارونية الى حد رفع رأس الكنيسة المارونية الى اتهام سياسيي الموارنة باغتيال رئاسة الجمهورية. ووسط هذه الصورة السوداوية اطلق الرئيس سعد الحريري مبادرة اعلن فيها تمسكه باجراء انتخابات رئيس الجمهورية قبل اي استحقاق آخر، وقد لاقت مبادرة الحريري ترحيباً من الرئىس نبيه بري وجنبلاط الا انها بقيت صرخة في البرية، واعترض عليها ما يسمى «اللقاء المسيحي» في «بيت عنيا» ببيان تلاه النائب السابق ايلي الفرزلي على وصف الحريري اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة بأنه «جعل رئاسة الجمهورية رهينة الاقتراع الطائفي والمحميات المذهبية»، لتكر سبحة من الاسئلة حول ماهية العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل»، وهل كانت عملية الانفتاح بين الطرفين حفلة تكاذب ام ان وراء الاكمة ما وراؤها، لا سيما وان مبادرة الحريري جاءت رداً على اقتراح العماد ميشال عون تعديل بند في الدستور يجعل من النظام البرلماني نظاماً رئاسياً باقتراحه انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة ما يجعل الصدام حتمياً بين عون والحريري لا سيما وان الاول يحاول نسف «اتفاق الطائف» بينما يتمسك الثاني به.
وتؤكد الاوساط انه على الرغم من سوداوية الصورة الا ان بعض زوار واشنطن يسكنهم التفاؤل لجهة تمرير الاستحقاق الرئاسي في ايلول لان الادارة الاميركية باتت قلقة على الاوضاع اللبنانية لا سيما وان بعض المناطق تشكل بيئة حاضنة للتطرف التكفيري وجاهزة لاحتضان «داعش» التي قد تتحول الى كرة ثلج تجتاح المنطقة، وان الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية هي الخطوة الاولى لترتيب وتحصين الداخل اللبناني وفق الادارة الاميركية.