هل جاء توقيت عودة الرئيس سعد الحريري الى الساحة على ساعة احداث عرسال ام على صدى «ظاهرة استشراء داعش» لبنانياً والتي لم يعرف احد على وجه التحديد من اي منبع تمويلي استقت قدرتها على الاستشراء الذي يكاد يقرب من الاستفحال ومن اين استجمعت هذه القدرة على الانتشار وولادة الحلم «بدولة اسلامية» تجمع اجزاء ولو متنقلة بين القطرين الشقيقين اللذين كانا منذ عدة عقود من السنين (اي منذ عهد نوري السعيد في العراق وبدء الانقلابات العسكرية في سوريا) «ترطنان» بمشاريع وحدوية بينهما من منطلقات عروبية وقومية، فاذا بنا اليوم وبعد احداث وتطورات متلاحقة نسمع «امير المؤمنين أبو بكر البغدادي» الذي تؤكد رئيسة الديبلوماسية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون انه ولد مع «داعش» من رحم البنتاغون والمخابرات المركزية وان كانت نفقات نشأته وتربيته وتدريبه موكلة لمن انعم الله عليهم بالخير الوفير من «اهل المكارم» في «خليج الوطن العربي»، الذي «يغتسل» فيه اكسير الطاقة، ليتحول الى لآلىء يتحول فيها سواده الى بياض والى «ازرق فتّآن»… مساو في قدراته الشرائية الى ما هو اثمن من «الاصفر الرنان» حيث يتنفس صبح «الهلال الخصب» عن ولادة ميمونة لخلافة استفتح الخليفة فيها بصلاة قجر جمعة وجماعة في معقل الموصل الذي كان مؤهلاً فعلاً منذ زمن طويل الى ان «يوصل» بين القطرين الشقيقين سوريا والعراق واذا بالثوب الفقهي المفصّل في البنتاغون يجتهد بان يكون ثوب الخليفة «على سنّة الله ورسوله». ذا لون اسود لا يشبه سواد راية بلاد السواد (وهو الاسم التراثي التاريخي للعراق) بل يجمع بين السوادين : سواد الارض التي تنتج الخيرات في بلاد دجلة والفرات اضافة الى سواد الراية التي ترمز الى رابعة العدوية التي تمثل اصابع مقتطعة من ذراع طفل مستعار من ارشيف حديث رغم رمزيته التاريخية من يد طفل ذيح مستعار او مستقرص من «الموساد» اذ يزعم الزاعمون الذين لا يكنون الولاء «لداعش« بان الرمز الذي يحمله الداعشيون له صلة بالماسونية العالمية التي تلتقي فيها الدواعش مع المخابرات الخارجية التابعة لجيش الدفاع الاسرائيلي ولا يعلم احد مدى صحة هذا الزعم، ولكن البنتاغون مع المؤسسات الامنية والمعلوماتية الداخلية والخارجية، يعلم تمام العلم اين يضع الرئيس باراك اوباما «رسالته الديموقراطية» والا كيف استطاع ان يدرك في لحظات ان المكلف من الرئيس العراقي الكردي «المعصوم» المنتخب حديثا لرئاسة جمهورية العراق قد تجاوز كل الاعتبارات الدستورية في خياره المفضل الذي سارع الرئيس الاميركي باراك حسين اوباما للتصديق عليه، كأنه يصرّف شأنا من الشؤؤن الداخلية الاميركية!
ونحن من باب المزاح توقعنا مثلاً من السيد هاشم صفي الدين الذي يشبهه خليفة داعش شكلا وليس محتوى ان يقيم دعوى قضائية عاجلة توضيحية امام المحكمة العراقية العليا يطلب منها فحص انتحال «الخليفة» (المتموصل) ونكاد نقول «المستعرب» الذي قدّم نفسه موصلياً وعراقياً وبغدادياً بانه ينتحل ثياباً لا علاقة لها بداعش والداعشية، وحتى لباس الرأس للخليفة، بدا وكأنه لباس الامنيين العسكريين في سامراء حيث مقام اثنين من ائمة الشيعة الاثني عشر يضمهما مقام واحد محروس من حراس سامرائيين سنة على سنة الرسول يتباركون بان يكون لهم شرف حراسة الضريحين المطهرين، حتى لو تملك الشيخ احمد الاسير مثلاً بجواز حراسه اضرحة غير منصوص عليها في شرعة الخليفة العباسي الملقب بالمتوكل على الله والذي كان معروفا بطمس ذكرى اهل بيت الرسول الذين ينتمي اليهم الامامان الحسن العسكري وعلي الهادي وقد لقبا بالعسكريين، ليس لاسباب تتعلق بالانتماء لجيش الدولة العباسية النظامي – علما انه لو ترك الامر لاهل سامراء المؤمنين ببركات الرسول واهل بيته، وحظوا بخليفة داعش والمؤمن تيمناً بما يعتبره رمز رابعة العدوية لكانوا احتجزوه دون ان يقتلوه او يلحقوا به الاذى وخاصة اذا تخلى عن انتحاله لزي اهل بيت الرسول حيث يقال ان النسب الهاشمي الذي يرتديه ليس نسبه اليه «وخاصة العمامة السوداء المستديرة» التي لم يكن ليرتديها لوكان ابو مصعب الزرقاوي لا يزال على قيد الحياة، والذي كان يعتبر العداء لاهل بيت الرسول جزءاً من سنة الرسول (ص) علماً انه ينسب للامام الباقر الامام الخامس عند الشيعة الاثني عشرية – والعمدة على المؤرخ – انه كان يباهي بانه يعود بصلة القربى من حيث النساء الى الخليفة الراشد الاول ابو بكر الصديق ونحن نعد الذين يكرهون الجدل حول مدى صحة «صلات الرحم» بين السنة والشيعة حتى في الجدل السياسي، لان تأكيد الروابط بين المسلمين اليوم وفي لبنان على وجه الخصوص، نكره ان يكون مقياساً لاسلامية المسلم وهي «سابقة مفتعلة» تهدد في النهاية بزعزعة «النظام الطائفي المقدس» للبنان، عند الطائفيين ممن يعتبر ان مجرد شجب العصبيات الطائفية خطرا على الكيان اللبناني، ففي نظرهم ان لبنان واجب الوجود اذا ظل طائفيا، اما اذا انتفت عنه الطائفية فانه لا لزوم لوجوده اصلاً ؟
ولكي لا ننسى او نتهم بالتناسي فيما بدأنا عن الايحاءات المحتشدة في الذهن ولكي لا ننقل الحديث عن مواضيع اخرى الى خارج المناسبة الطارئة والمحركة للركود السياسي والمتمثلة بعودة الشيخ سعد الى وطنه الاول مع «تعلقه العذري» بوطنه الثاني في المملكة، نقول انه قد نقل بمناسبة عودة الرئيس الذي بشر اسمه بالسعادة (سعد)، ولكي يستطيع بعض نواب الشمال المتضامنين مع «الثالوث الشمالي الذهبي» : كبارة والضاهر ومرعبي، بعد التوقف ولو بشكل عابر عند «قرم الثالوث الذهبي» خالد الضاهر لتمييز صلابته الصوانية الظماء والغرائبية عن زميليه (قرم (كسر القاف) تعني الصنديد) ولا علاقة لها باسم جزيرة القرم التي بارك الرئيس فلاديمير بوتين دمجها في الاتحاد الروسي وان كان قد ترك لها بعض الميزات والخصائص التي تميزها عن سائر جمهوريات او مناطق الاتحاد الروسي الأخرى.
وقبل ان ننتقل من الحديث عن المسمى ادعاء امير المؤمنين الخليفة البغدادي الهارب من قدره رغم وعده للدواعش بالثبات مستعيرا دون اذن من محمد ابن الحنفية احد انجال الامام علي (من غير الزهراء) وهي عبارة يستعيرها امين عام حزب الله من نهج البلاغة حيث قال الامام علي موصيا ابنه محمد في معركتي الحمل وصفين تدل في الارض قدمك انحر الله جمجمتك ولا تزول الجبال فوق ذلك في معرض البحث عن ثبات قدم المقابل الصنديد الشجاع في الارض. مع فارق ان «الخليفة البغدادي» لم يثبت هو ودواعشه (دواعش جمع داعش) وهو جمع المفرد تصرف به العراقيون على طريقة جمع عائلة بعوائل) تد الارض قدمك اي اجعله كالوتد كما اوصى الامام علي ابنه محمد ابن الحنفية، وكان بطلا مقداما شأنه شأن معظم آل الرسول من الرجال (وحتى النساء البطلات) سواء بطولة الموقف او بطولة الميدان!.
وبالعودة الى تأمل المعاني المحيطة بعودة الشيخ سعد في هذا الوقت بالذات ثم ذهابه، ولان الرأي العام قد رفض تصديق المقولة التي تصر على ان غياب الشيخ سعد المزمن في هذه المرحلة بالذات عن لبنان، والذي قيل انه كان لاسباب امنية مرة، ومرة اخرى «لاسباب خاصة»، فان «عدة الشغل» التي حملها معه على طريق العودة الى لبنان، ولم يلتفت الى من يعتبره «اميناً لسره» وهو اعلامي سابق ولا يزال في جو الاعلام على الاقل، عنينا به وزير الداخلية الحالي، قد اشاح بوجهه – بسبب ما جرى في عرسال على ما يبدو – عن حضور انعقاد المجلس الامني الاول بعد مأزق عرسال. واذا كان العذر كما يقول المثل المعروف بان «السنة الخلق لعقد الحكومة» فان على الساحة اللبنانية قد يصح القول «السنة الخلق اقلام الحق» فلقد احيط الشيخ سعد بعدة تفسيرات افتراضية لاسباب تؤكد صحة المثل القائل: «نحن بواد والعذول بوادي» فلقد كانت عودته في هذه المحطة الزمنية العسيرة (لا علاقة لها بالسفير السعودي العسيري المنتهية مدته) ففي اعتقادنا رغم كل ما تردد وقيل، من ان الحالة الامنية كانت من اولويات اهتمامه كسائر السياسيين، وفي اعتقادنا سعداً هو الاقدر على الاخذ بالاحتياطات الامنية. وميزة والده كما هو معروف ان حرصه الناس كان من الوضوح عند الجميع بأنه لا يحتاج الى الاعتقاد في معرض التكهن الى الربط بين التذكير بالموعد المحدد للانتخابات النيابية القادمة، وبين موعد مجيء دولته النهائي وهو الذي وعد نفسه بانه سيجعل من الانتخابات المقبلة موعداً مع الشعب الناخب ليس فقط للتصويت له ولحزبه وتياره وانصاره بل موعدا للحساب والاحتكام للرأي العام حول مدى جدوى «جهاده الغيابي»، خلال غيابه كنت قواعد زعامته السياسية والشعبية، وقد اعدّ العدة فعليا لبدء «المعركة» او الحملة الانتخابية العتيدة آملاً بان تكون الانتخابات التشريعية المقبلة هي هدفه السياسي الاول، فهو موعود او واعد نفسه بان «ثأره السياسي المشترك»، بين رد التحية للذين اسقطوا حكومته وهو يزور البيت الابيض دون ان يمحو من ذاكرته ما قام به معارضوه ومعارضو حزبه الى جانب معارضي معظم قوى 14 اذار كيف اكملوا «حياكة المقلب» الذي يستطيعون عبره اسقاط الحكومة التي كان يرأسها ولو ضمن ما تسمح به اللعبة الديموقراطية اي عبر التصويت على الثقة بالحكومة، او استقالة عدد كاف من الوزراء فيها على نحو كان كفيلا بتعجيل ذهاب تلك الحكومة ورحيلها في وقت. شاءت المصادفات او دقة صنع الافخاخ السياسية ان تكون استقالتها «تاريخية» وربما كانت هي الحكومة الوحيدة في التاريخ السياسي المعاصر، ليس في لبنان فقط بل في العالم، التي يكون رئيسها في زيارة ومقابلة رئيس دولة لا يزال يعتبر نفسه «رئيسا للعالم» كله، دون ان يستطيع ضمان بقاء حكومة في احدى اصغر الدول حجماً ديموغرافياً وهكذا وجد الشيخ سعد نفسه امام «ثأرين» فرضتهما عليه الاقدار والظروف الى جانب ما يعتبره «الواجب الثأري الاكبر» المتعلق «بالحريري الاب» الذي كان «ملء السمع والبصر» والذي كان واضحاً ان الحريري الابن يضع همها في اعلى سلم الاولويات عنده، وهو ان الثأر المعنوي والثأر السياسي اللذين يتحكمان بتفكيره وسلوكه اولهما : اعادة الاعتبار الشخصي لاهليته السلطوية والعودة الظافرة الى رئاسة الحكومة في الوقت المناسب. والثأر الثاني هو ليس فقط الاحتفاظ بموقفه المعنوي الى جانب موقعه السلطوي، وهو ان يظل متزعما لاكبر تكتل نيابي في البرلمان، بل ان يزداد مستقبلاً عديد المنخرطين في هذا التكتل، وهو ضمن طموحاته «المستقبلية»، ان لم نقل الفورية، وهو اعتبار معنوي من يتهيأ له الاخلال بطموحاته لفوز اكبر في الانتخانات القادمة. ولذلك فانها لم تكن مجرد مصادفة ان يربط الاخرون عودته على ساعة التأكيد على موعد اجراء الانتخابات النيابية العامة التي ستجري بعد اشهر ويحسبها «المراقب لعامل الوقت» وهي فترة قريبة وقصيرة نسبياً بل يحسبها المنتظر لها اشهرا طويلة وعسيرة الولادة في ظل ما يضرب المنطقة من وقائع سلبية وما يحيط بلبنان عبر تزايد التعقيدات في اوضاعه العامة الداخلية – الى جانب «حقل الالغام» المتمثل بتعقيدات الوضع في الجوار وعلى امتداد المنطقة – امتحاناً عسيراً اضافياً حول مدى قدرة لربابنة السياسيين المهرة على الدخول في الغابات والادغال السياسية الموحشة ومدى استطاعة «المغامرات السياسية المدسوسة» على تخفيف معاناة الخروج الآمن بهذا الوطن سالما معافى بحيث يتم تحقيق الغاء المرء ثم يطلب منه عدم الابتلال بالماء، وان يظل مكتوف اليدين ويعمل بمقولة «القاه في السمّ مكتوفاً وقال له : اياك اياك ان تبتلّ بالماء! وكانت الامور قد ترتبت وتم الاعداد لها بعيدا ثم قريبا عن ظاهر منظور الاحداث المتلاطمة، بحيث تم تضبيط «القدوم الحريري»، على نحو «عنقودي» كما اسلفنا، وهو يمثل «سلة كاملة» بمثابة استحقاقات يأخذ بعضها برقاب بعض، بحيث لا تكون العودة «السعدية» (من السعودية)، ومن الاستجمام السياسي الطويل على ضفاف السين وتجنب الانزلاق المكرر في ثلوج جبال الالب – لا قدر الله – بحيث يصبح موعد الوصول نفسه موعدا عنقوديا، حيث يجتمع فيه اثبات وجود 14 آذار في الموسم العرسالي وحواليه على وشك الوصول الى نهاية سعيدة لامر حساس يتعلق بمكانة عائلة روحية كريمة، وهو الخلاص من كابوس الصراع العبثي حول منصب روحي معيّن، فكان الخلاص من الكابوس بالتراضي بين جميع الضارين والمتضررين، ناهيك عن تضبيط الوصول الى بيروت على عقرب ساعة التذكير بموعد الانتخابات النيابية التي تعتبر مصيرية بالنسبة لطبيعة البلد المهلهلة في نظر العديد من فعالياتها، وفي ظل «الفراغ» الرئاسي دون «الفروغ» منه.