يسعى النظام السوري إلى اعادة تأهيل نفسه عن طريق المشاركة في الحرب على الإرهاب. كان المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية وليد المعلّم قبل أيّام محاولة أخرى للعب ورقة الإرهاب. ذهب وليد المعلّم إلى حد القول إنّ أي «عدوان» على سوريا يجب أن يكون بالتنسيق مع النظام السوري. فحوى كلام وزير خارجية النظام السوري أن النظام مستعدّ حتّى لتبرير أي عدوان أجنبي على سوريا شرط أن يصبّ هذا العدوان في خدمة النظام واستمراره. المهمّ متابعة قتل السوريين بكلّ الوسائل المتاحة، خصوصاً بواسطة البراميل المتفجّرة.
ما زال هذا النظام يعتقد أنّ في استطاعته استخدام «داعش» لتحقيق هذا الغرض. كلّ ما يريده النظام هو الاحتفاظ بالسلطة لا أكثر. السلطة المطلقة، التي تعني استعباد السوريين، هي الأداة التي تسمح له بنهب خيرات سوريا إلى الأبد. أوليس شعار النظام «الأسد إلى الأبد»؟
تجربة النظام الطويلة مع لبنان، وهي تجربة امتدت ما يزيد على أربعة عقود أكثر من كافية لتأكيد أنّ تحويل النظام إلى مشارك في الحرب على الإرهاب من رابع المستحيلات.
قبل كلّ شيء، لعب النظام السوري منذ ما قبل استحواذ حافظ الأسد على السلطة كلها في خريف العام دوراً في إغراق لبنان بالسلاح. كان الأسد الأب، وكان لا يزال وزيراً للدفاع، وهو منصب شغله بين العامين و، من باشر في إغراق لبنان بالسلاح. كان الشيء الوحيد المهمّ للنظام السوري الذي بدأ في الثالث والعشرين من شباط ـ فبراير من العام يتحوّل إلى نظام علوي لا أكثر، توريط مسيحيي لبنان في حرب مع الفلسطينيين.
كان مطلوباً تسليح المسيحيين والفلسطينيين في الوقت ذاته واستخدام التناقضات الداخلية اللبنانية من أجل أن يصبح الفلسطينيون «جيش المسلمين»، خصوصاً جيش أهل السنّة في لبنان.
في كلّ وقت من الأوقات كان همّ النظام السوري، الذي سعى دائماً إلى التقرّب من شيعة لبنان واستيعابهم، محصوراً في إشعال الحرائق في البلد وذلك كي يسمح له الأميركيون، بمباركة اسرائيلية، بوضع يده على الوطن الصغير.
لم يكن النظام السوري في يوم من الأيّام بعيداً عن حلف الأقلّيات الذي اراد من خلاله جعل علويي سوريا الطرف المهيمن في هذا الحلف المرتبط بطريقة أو بأخرى بمسيحيي لبنان والشيعة فيه. المؤسف أنّ المسيحيين لم يستوعبوا في أيّ وقت مآرب النظام السوري. كانت النتيجة سقوطهم في الفخّ الذي نصبه لهم حافظ الأسد الذي استنجدوا به في يوم من الأيّام من أجل وقف الزحف الفلسطيني في اتجاه الجبل المسيحي والقرى المسيحية.
لم يكن المسيحيون وحدهم الذين لم يستوعبوا ما الذي يريده النظام السوري. بعض أهل السنّة عجزوا عن ذلك. كذلك عجز الدرزي كمال جنبلاط الذي اعتقد أن الفلسطينيين سيكونون قادرين على تغيير الصيغة اللبنانية بما يصبّ في مصلحته. لمّا أدرك كمال جنبلاط أن اللعبة من أولّها إلى آخرها لعبة النظام السوري، كان الأوان قد فات.
ذهب كمال جنبلاط، الذي اغتاله النظام السوري في العام ، ضحيّة هذا الإدراك المتأخّر لطبيعة نظام، كان يستخدم الفلسطينيين لوضع اليد على لبنان. كان على الفلسطينيين إشعال الحرائق بأسلحة مصدرها سوريا، لتبرير استنجاد الأميركيين بجيش النظام السوري بغية «السيطرة على مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان». تلك هي العبارة التي استخدمها هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركية وقتذاك، لإقناع اسرائيل بضرورة قبول الوجود العسكري السوري في لبنان والاعتراف بأهمّيته.
كان مفترضاً في هذا الوجود العسكري تغطية كلّ الأراضي اللبنانية لولا «الخطوط الحمر» التي رسمتها اسرائيل بحجة أنّها متمسّكة بالوجود الفلسطيني المسلّح في جنوب لبنان. كانت حجة اسرائيل وقتذاك أنّها «في حاجة إلى الاشتباك مع المسلّحين الفلسطينيين بين حين وآخر». الأكيد أنّه كانت لديها أهداف خاصة بها تستدعي بقاء الجيش اللبناني خارج جنوب لبنان. كانت تلك نقطة التقاء اسرائيلية مع النظام السوري الذي اعتبر في كلّ الوقت أن جنوب لبنان يجب أن يبقى جرحاً نازفاً.
حتى العام ، بقي جنوب لبنان في عهدة المسلحين الفلسطينيين ثم تحت سيطرة «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني. كان ذلك مطلوباً اسرائيلياً. كان مطلوباً تبرير الادعاءات الإسرائيلية التي تبرّر الهرب من أي مفاوضات جدّية مع الفلسطينيين والعرب بحجة أنّها «دولة مهدّدة».
لم يتوقف النظام السوري في أيّ وقت عن ممارسة لعبة مدروسة قائمة على ضرورة الاستعانة به من أجل مكافحة الإرهاب، علماً بأنّه مصدر من مصادر الإرهاب.
كشف لبنان النظام السوري منذ زمن طويل. كشف طبيعته الحقيقية، خصوصاً بعد تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير . بعد ذلك اليوم الذي خرج فيه اللبنانيون إلى الشارع موجهين أصابع الاتهام إلى النظام السوري، انتهت اللعبة التي مارسها النظام واعتاد عليها. مارسها أطول بكثير مما يجب بموافقة قوى إقليمية على رأسها ايران واسرائيل، فيما المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة يتفرّج، بل يصفّق.
لم يعد من مجال لممارسة هذه اللعبة. كان ظهور وليد المعلّم في مؤتمره الصحافي الأخير باهتاً، نظراً إلى أن معظم العالم يعرف ما هي «داعش» وكيف خلق النظام السوري هذا التنظيم بمباركة ايرانية بغية ابتزاز الولايات المتحدة في العراق بعد احتلالها لهذا البلد في العام .
تغيّرت طبيعة «داعش» مع مرور الوقت وتطوّر الحوادث. انقلب السحر على الساحر. هناك الآن «داعش» المتعاونة مع النظام السوري و«داعش» أخرى تمتلك حسابات خاصة بها. كلّ ما في الأمر أنّ نظاماً مثل النظام السوري، يستطيع الادعاء أنّه يقاتل الإرهاب لو لم يكن نظاماً يلجأ إلى الإرهاب بغية تبرير وجوده لا أكثر ولا أقلّ. من يستعين بمقاتلين لبنانيين وايرانيين وعراقيين للدفاع عن وجوده في دمشق من منطلق مذهبي بحت، لا يستطيع بأيّ شكل الاستعانة بـ«داعش» وجرائمها كي يجد لنفسه مقعداً مع المشاركين الحقيقيين في الحرب على الإرهاب.
لا يمكن بأي شكل تبرير جرائم «داعش» التنظيم الإرهابي المتخلّف. ولكن في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل أن «داعش» ربطت بين مناطق سنّية في سوريا والعراق، بعدما اعتبرت ايران، ممثّلة بميليشا «حزب الله»، أنّ الحدود بين بلدين عربيين مستقلّين هما لبنان وسوريا لا قيمة لها، وأن ما يعلو على الحدود هو الرابط المذهبي بين النظام السوري وما يمثّله الحزب.
هناك بكلّ بساطة ما هو أبعد من الحرب على «داعش». هناك أنظمة مثل النظام السوري أسست لقيام مثل هذه الظاهرة بعدما شاركت في لعبة إثارة الغرائز المذهبية. هذه لعبة يمكن لعب دور في اطلاقها ولكن يستحيل التحكّم بها في المراحل اللاحقة.
من يشارك في اطلاق مثل هذا النوع من الألعاب الخطيرة ليس مؤهلاً للعب دور في كبحها من أجل اعادة تأهيل نفسه. هذا ما لا يستطيع النظام السوري فهمه بغض النظر عن مدى سذاجة ادارة أميركية مثل ادارة باراك أوباما…