IMLebanon

كيف نَحمي المسيحيين؟

عندما سُئِل مرجع سياسي كبير عن حظوظ انتخاب رئيس جديد للجمهورية قريباً، أجاب أنّها منعدمة وتكاد تكون صفراً، في ظلّ الواقع الراهن. هذا ليس كلّ شيء. البلد اليوم يعيش الحقبة «الداعشية»، وهذا العنوان أصبح يتقدّم في السياسة وعلى الأرض ويَطغى على ما عداه من عناوين.

في ظلّ ما تشهده المنطقة من حملات تطهير عِرقي ومذهبي، وبعد أحداث الموصل ونينوى وعرسال، ثمّة مَن بدأ من المسيحيين يستشعر الخطر المقبل والداهم، ويبني على ذلك «تسليحاً» وتحضيراً وخوفاً ممّا هو آتٍ، خصوصاً في المناطق المسيحية الحدودية مع سوريا في البقاع والشمال، والبعض بدأ يفهم ويتفهّم مشاركة «حزب الله» في القتال ضد الإرهاب في سوريا، ويبني مواقفَه على القول: هل شاركَ أهالي الموصل في القتال في سوريا حتى يحصل معهم ما حصل من تنكيل وتهجير؟

إنّه مشروع كبير يجتاح المنطقة، وليس أمام المسيحيين وغيرهم من المكوّنات المتضرّرة من الفكر «الداعشي» سوى التحالف والقفز فوق الخلافات التقليدية لمواجهة خطر محدِق بالجميع.

أحداث عرسال الأخيرة معطوفةً على كلّ المشهد الذي رأيناه من العراق إلى سوريا، أزالت الخلافات التقليدية بين محازبي القوى المسيحية على الأرض. في بعض البلدات الحدودية ترى «القوّاتي» و»العوني» و»القومي» وغيرهم يتحدّثون اللغة ذاتها في شأن حجم المخاطر التي تمثّلها «داعش»، وهم يُسيّرون دوريات حراسة ليلية ومراقبة نهارية، حتى لا يتكرّر ما حدث في عرسال، ولسان حال الناس على الأرض: «إذا كان الإرهابيون قد فعلوا ما فعلوه بأهالي عرسال على رغم كلّ ما قدّمَته البلدة إليهم وإلى عائلاتهم من خدمات… ماذا سيفعلون بنا إذا تمكّنوا منّا؟

مشهد الهجرات المسيحية الجماعية والقتل والصَلب والسَحل لم يغادر العقل المسيحي منذ «شهداء المسيحيّة» الأولى، حتى أواخر أيام سلطنة بني عثمان منذ مئة عام تقريباً.

ومشهد مسيحيّي الموصل ونينوى وسوريا، وما حلَّ بأتباع الديانة «الأيزيدية» أعاد إلى المخيّلة المسيحية نحو ألف عام ونيّف من العنف والاضطهاد على خلفية دينية، ودفعَ بغالبية الشارع إلى التفكير الجدّي بالمصير، في ظلّ سياسات دولية غربية أقلّ ما يُقال فيها إنّها «متواطئة» وغير مكترثة حيالَ مستقبل مَن بقيَ مِن مسيحيّي الشرق.

تسخيفُ «داعش» وجرائمها في المنطقة والفكر الذي تستند إليه جزءٌ من لعبة السياسات الضيّقة في الشارع المسيحي، تلك السياسات نفسها التي منعَت المسيحيين من رؤية رئيس جديد للجمهورية في بعبدا حتى الآن. وفي السياق يقول مرجع كبير «إنّ عدم توحّد المسيحيين خلفَ «المرشّح القوي»، ويقصد العماد ميشال عون، يُفقِدهم القدرة والقوّة، ويضعهم على مشارف خسارات سياسية جدّية، في ظلّ واقع مَشرقي معقّد لا يخلو من «المؤامرة» ضدّهم».

ويضيف: «الشيعة يوصِلون المرشّح الأقوى إلى رئاسة المجلس النيابي لأنّهم موحّدون خلفه. والسُنّة يوصلون مرشّحهم إلى الرئاسة الثالثة لأنّ الإجماع السُنّي خلفَه، وحين يصل الأمر إلى المواقع المسيحية يجري تعيين موظفين لا يمثّلون شيئاً، بفعل الانقسام المسيحي وعدم وجود قيادات تَعي خطورةَ المرحلة وحجمَ التهديد الذي يمكن أن يواجهوه».

كيف نحمي المسيحيين في لبنان إذا كان بعضهم لا يستشعر حقيقة التهديد الوجودي لنا جميعاً، ولا يزالون يعملون بمفردات ولغة قديمة لا تنسجم مع الأحداث الكبرى التي يشهدها الشرق؟

هذا السؤال سيَجد مَن يُضيّعه في سجالات وخلافات وعنتريات تحرفه عن مضمونه الحقيقي. لا خوفَ على المسيحيين اللبنانيين لأنّهم مقاتلون منذ ألف عام، وهذا صحيح… لكنّ السؤال الذي ينبغي طرحه مباشرةً: هل من مستقبل سياسيّ للمسيحيّين خارجَ الحفاظ على المواقع التي يحوزونها في الدولة؟ وأيّ رهان للمسيحيين خارج هذه المواقع، وعلى رأسِها موقع رئاسة الجمهورية؟