لا خلاف بين اللبنانيين بمختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم على دعوة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله إلى توحيد الجهود لمواجهة خطر “داعش”، إنما الخلاف هو على ما بعد ذلك، وأي لبنان نريد، وهو ما يتطلب اتفاقاً على المواضيع الأساسية التي ترسم صورة المستقبل كي يتمّ التخلص من”داعشيي” الداخل بعد التخلص من “داعشيي” الخارج.
الواقع أن الأفكار التي طرحها السيد نصرالله وحدّد موقفه منها في خطابه لمناسبة ذكرى حرب تموز لا توحي بامكان التوصل إلى قواسم مشتركة بينه ومن يرى رأيه وبين قوى 14 آذار وذلك للأسباب الآتية:
إن إصراره على أن يكون مرشحه الوحيد للرئاسة الأولى هو العماد ميشال عون معناه أن لا سبيل للاتفاق على مرشح توافقي أو مرشح تسوية، وان الفراغ الشامل آت… وقوله بأن تدخل حزبه عسكرياً في سوريا هو “تحصين للمقاومة وحماية لظهرها وظهر لبنان، وان حرب الحزب في سوريا صارت حرباً مصيرية ضد التكفيريين”. واتخذ من حوادث عرسال حجة تجعل الذهاب للقتال في سوريا “دفاعاً عن لبنان وعن المقاومة فيه وعن كل اللبنانيين من دون استثناء” باعتبار أن “داعش” تشكل “خطراً كبيراً على الجميع، ما يجعل قتال حزب الله في سوريا حرباً استباقية ضرورية وإلا صارت داعش في كل البقاع، وكانت وصلت الى الجبل وعكار والساحل وأصبحت المعركة في بيروت والجنوب”. وهذا الكلام يذكّر بالحرب اللبنانية – الفلسطينية عام 1975 التي كان المشارك فيها من المسيحيين خصوصاً يقول إنه لولا هذه المشاركة لأصبح لبنان الوطن البديل للفلسطينيين، أو كان عرضة للتقسيم وفقاً لمخطط هنري كيسينجر، وكما تبرر اسرائيل حروبها على لبنان بأنها استباقية لمنع المقاومة الفلسطينية ثم المقاومة الاسلامية اللبنانية من تهديد أمنها… هذا الموقف لنصرالله لا توافق عليه قوى 14 آذار وترى ان تدخل “حزب الله” عسكرياً في سوريا هو الذي استدرج حرب “التكفيريين” الى لبنان تارة بالسيارات المفخخة والاغتيالات، وطوراً بالدخول الى عرسال وربما الى غير عرسال، فضلاً عن أن هذا التدخل زاد الانقسام السياسي والطائفي بين اللبنانيين وانعكس سلباً على الوحدة الوطنية، وجعل من يشعر بالظلم والخوف والغبن مهيئاً لأن يكون بيئة حاضنة حتى لكل أصولي وتكفيري وارهابي لينتقم ممن يعتبره ظالماً ومستبداً. فلو أن “حزب الله” التزم سياسة النأي بالنفس كما فعل الاردن لكان أي تهديد للبنان من “داعش” وأخواتها جعل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم يقفون صفاً واحداً في مواجهتهم ودحرهم، ذلك أن الوحدة الداخلية هي أمضى سلاح لمواجهة اي عدوان، في حين أن تصدعها يجعل العدو قادراً على الدخول من أي باب ويجد بيئة حاضنة له أو غاضة الطرف عنه. ولا اتفاق من جهة أخرى بين السيد نصرالله وقوى 14 آذار عندما يقلّل قدرة القوات الدولية “اليونيفيل” على حماية الحدود اللبنانية في الجنوب والقول ساخراً “إنها في حاجة الى من يحميها”، ورفضه بالتالي توسيع نطاق القرار 1701. علماً أنه لو لم يكن لوجود هذه القوات فعالية، لما كان الرئيس عبد الناصر طلب نشرها على حدود مصر مع اسرائيل، ولما كان الرئيس حافظ الأسد وافق على أن تنتشر في الجولان، ولما كانت وافقت أي دولة مهدّدة بأمنها على طلب إرسال هذه القوات إلى حدودها خوفاً من اعتداء دولة أخرى.
إن لبنان يصبح في غنى عن وجود قوات دولية عندما تنسحب اسرائيل من بقية الأراضي اللبنانية التي تحتلها، وعندما يتم تسليح الجيش بأسلحة متطورة يستطيع بها حماية كل حدوده بما فيها الحدود مع سوريا بحيث لا تبقى كما هي حالياً سائبة، ولا يعود الجيش بعد زيادة عديده وعدته في حاجة للاستعانة بأي قوّة مستعارة ولا بأي سلاح خارج الدولة لمواجهة أي خطر داخلي أو خارجي. وحماية حدود لبنان تحتاج إلى دولة قويّة قادرة الى جانب جيش قوي وإلى الالتفاف حول مفهوم الدولة والمؤسسات والتعاون مع المجتمع الدولي، والتزام الحياد الحامي الوحيد لوحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات، لأن من يتدخل في شؤون الغير يستدرج هذا الغير للتدخل في شؤونه.
وحماية هذا الحياد تكون بقيام دولة لها رأس قوي واحد قادر على جمع اللبنانيين لا على تفريقهم. فاذا كان “حزب الله” مع قيام هذه الدولة لمواجهة كل معتد فما عيه سوى أن يسهل الاتفاق على انتخاب مثل هذا الرئيس ومن ثم اجراء انتخابات نيابية يعيد الشعب فيها النظر بممثليه، فإما يجدد انتخابهم أو ينتخب سواهم، وان مجلس النواب المنبثق من انتخابات حرّة نزيهة هو الذي يرسم سياسة لبنان الداخلية والخارجية مع الحكومة الجديدة ويعالج مشكلة اللاجئين السوريين ويعتمد سياسة الحياد التي باتت خشبة الخلاص الوحيدة للبنان، ودعوة السيد نصرالله لتوحيد الجهود لمواجهة الخطر الوجودي تبدأ بوحدة موقف من كل المواضيع المهمة وبتصور مشترك وليس باستمرار الخلاف في الموقف والرؤية.