IMLebanon

.. كي لا يتحوّل الإنصاف إجحافاً

 

نعم، صدق من قال إنّ مقاطعي جلسة سلسلة الرتب والرواتب الأخيرة أجهضوا إقرار السلسلة. لكن أي سلسلة؟ أي رتب؟ وأي رواتب؟

هو ملف لا ريب أنه شعبوي بامتياز تسهل مقاربته بقفازات تجييش العواطف وتعمية العقول عن الخلل الضارب في ميزان العدالة الاجتماعية المتوخاة أصلاً من إقراره. إلا أنّ قرار التصدي لهذا الخلل لا مفر منه بغية إعادة التوازن بين كفّتي الميزان بعد غربلة علمية تحول دون تجرع الخزينة اللبنانية «الكأس اليونانية» وتتيح التمييز بين ما هو إنصاف وما هو إجحاف على ساحة المستفيدين من السلسلة.. فيدرأ مفهومُ العدل في السوية ظلمَ الإداريين من الرعية.

على قاعدة «صديقك من صدقك لا من صدّقك»، خاضت «المستقبل» في عملية تدقيق وتمحيص في ماورائيات دوافع معركة التصدي لإقرار سلسلة الرتب والرواتب المطروحة، من زاوية لم تسلط الأضواء عليها بالشكل الوافي للحقوق، وهي تتمحور حول الخلل الفادح بين الأسلاك في الملاك العام. إذ وفق الوثائق المستحصل عليها في هذا المجال، يتبيّن على سبيل المثال لا الحصر (نموذج رقم 1) أنّ رئيس الدائرة وفق جداول الرواتب النافذة راهناً يلزمه 33 سنة خدمة فعلية كي يصل إلى الراتب الذي يتقاضاه أستاذ التعليم الثانوي بعد 3 سنوات من خدمته الفعلية، بينما موظفو الفئة الثانية في الإدارات العامة (رؤساء مصالح) يلزمهم حالياً 26 سنة خدمة فعلية على الأقل كي يصبح أساس الراتب الذي يتقاضاه كل منهم إلى ما دون الراتب الأساسي الذي يتقاضاه أستاذ التعليم الثانوي بعد 3 سنوات فقط من الخدمة الفعلية. ومن منطلق إحقاق ميزان الحقوق وردم الفجوة بين مكتسبات موظفي ملاك الدولة كانت أن وضعت جداول الزيادات بمجموع 714 مليار ليرة من أصل مشروع السلسلة بما يشمل 227 ملياراً للعسكريين و96 ملياراً للهيئة التعليمية و148 ملياراً للمتقاعدين و136 ملياراً للملاك الإداري و106 مليارات لتعويضات الصرف، قبل أن تتوغل المحسوبيات وتتقاطع حسابات البيدر المالي مع الحصاد السياسي بين حليف وحليف حليف فتضيف على هذه الجداول زيادة مقدارها 200 مليار ليرة للهيئة التعليمية و150 ملياراً للعسكريين.

وبينما يشكو أعضاء في الملاك الإداري من أنّ المعنيّ بكل ما يتصل بشؤونهم وأحوالهم، رئيس مجلس الخدمة المدنية، لم يُدع مرةً واحدة إلى اجتماعات اللجنة الفرعية النيابية لاستيضاحه واستمزاج رأيه في ما هو مطلوب لتحقيق المساواة وإنصاف موظفي الإدارة العامة في مشروع سلسلة، تستعرض «المستقبل» في ما يلي نماذج عن إفادات معاشات تقاعدية صادرة عن الدائرة المعنيّة في وزارة المالية عن العام الحالي، تكشف الفجوة الهائلة الحاصلة في بنية هذه المعاشات بين هؤلاء الموظفين وسواهم من أعضاء الهيئة التعليمية والسلك العسكري.

.. بين الإدارة والتعليم

وفي هذا السياق تظهر مقارنة بسيطة بين إفادة معاش تقاعدي لموظف إداري من الفئة الثالثة وأخرى لمدرّس من الفئة عينها أنّ الأول يتقاضى معاشاً مقداره مليون وستمائة وأربعة وستون ألفاً (نموذج 2) في حين أنّ الثاني يتقاضى مليونين وتسعمائة وخمسة وثمانين ألفاً (نموذج 3) بفارق مليون وثلاثمئة وواحد وعشرين ألف ليرة بين الموظفين من ذوي الفئة الثالثة نفسها.

أيضاً، مقارنة أخرى بين مدرّس الفئة الثالثة (نموذج 3) وموظف إداري من الفئة الثانية (نموذج 4) تظهر أنّ معاش الأول التقاعدي يفوق كذلك من هو أعلى منه درجةً بمبلغ مليون واثنين وثمانين ألف ليرة.

أيضاً وأيضاً، يتكشف عن المقارنة بين إفادات مماثلة أخرى أنّ المدرّس من الفئة الثالثة (نموذج 3) يتفوّق في معاشه التقاعدي حتى على موظفي الإدارة العامة من الفئة الأولى، بحيث تظهر إفادة المعاش التقاعدي الذي يتقاضاه مدير عام (نموذج 5) أنه يتقاضى مليونين وأربعمائة وثلاثة وثلاثين ألف ليرة أي بما يقل 552000 ليرة عن مدرّس الفئة الثالثة.

.. بين الإدارة والعسكر

أما المقارنة بين إفادات الموظفين الإداريين وأعضاء السلك العسكري من المتقاعدين، فتبيّن حجم الفارق الضخم بين المعاش التقاعدي للإداريين وهو يبلغ في أقصاه بين موظف الفئة الأولى (مدير عام نموذج 5) وعميد متقاعد في السلك العسكري (نموذج 6) ثلاثة ملايين وثلاثمائة وواحد وأربعين ألفاً. إذ بحسب إفادة الأول فهو يتقاضى معاشاً تقاعدياً مقداره 2433000 ليرة بينما الثاني يتقاضى معاشاً يبلغ 4944000 ليرة يضاف إليه بدل سائق بقيمة 655000 ليرة و175000 ليرة ليصبح مجموع معاشه التقاعدي 5774000 ليرة.

.. هي معركة إنصاف الإدارة في مواجهة تفريغها، لا افتئات فيها على حقوق موظفي الهيئات التعليمية والأسلاك العسكرية ومطالبهم المحقة في تحسين أوضاعهم المعيشية، إنما تهدف في جوهرها إلى تقليص الفجوة بين موظفي الإدارة والأسلاك الأخرى تصويباً لبوصلة العدالة الاجتماعية بين ما هو محق وما هو أحق.