ومتى لم تكن عرسال مُستهدفة، قبل اندلاع الثورة في سوريا، واثناءَها! ومتى لم يتم وضعها في خانة «المتطرفين»، و»الارهابيين» و»التكفيريين» و»القاعديين» كأنها كانت وما زالت أرضاً غير لبنانية سائبة، عزلاء، بلا حدود، ولا حماية، ولا رعاية، محاصرة بالتهديد والاعلام القذر والقمع والتنكيل والمطاردة؟ ومتى كان لعرسال ان تجد (قبل هذه المعارك الأخيرة مع الارهابيين) العون والتفهم والتفاهم، بأن اتهامها بما ليس فيها ومنها، يعود إلى انتمائها «المذهبي» والسياسي والوطني؟ فقد تعرض بعض أبنائها للقمع، والاعتقال والاعتداء والظلم والجور. أو ليست عرسال من الخزانات المتدفقة لقوى الأمن والجيش؟ أو لم تكن عرسال، وما زالت، ترفع العلم اللبناني دون سواه.
وتشارك بقوة في تظاهرات 14 آذار؟ أو لم تُخترق عرسال مراراً، من قبل هذه الجهة الحزبية أو تلك غير الحزبية؟ وما سمعنا أخيراً، ان حزب ايران، المتورط في قتل الشعب السوري، مَنَعَ وصول المساعدات والأدوية للجرحى في عرسال، في معركتها مع الارهابيين وفي مساندتها الجيش اللبناني. «حصرمة في بؤبؤ «حزب الله، والوصايتين السورية والإيرانية، ها هو ذنب عرسال: انها قاعدة الأطراف الوطنية التي ساهمت في تحرير لبنان من الوصاية السورية. بل هي منازل الكرم عندما فتحت منازلها المتواضعة للنازحين اللبنانيين الجنوبيين. جراء العدوان الصهيوني عام 2006. وقد كافأها حزب خامنئي في لبنان، بوضعها في دائرة اتهاماته واعلامه «الأسود» ومرتزقته وعملائه!
مطلوب ضرب عرسال وتدجينها وتغيير مسار أهلها. أو الأحرى، ادراجها في لائحة «تجريم» السُّنة في لبنان والعالم العربي والاعتداء عليهم وشل اراداتهم المقاومة لقوى الوصايات والشر والمذهبية! حزب بني فارس في لبنان حاصرها، مراراً، كما لم يحاصر «الجولان» في عدوانه على الشعب السوري. النظام السوري قصفها عدة مرات بالطيران والمدافع والدبابات وانتهك ارضها بمساعدة حزب ولاية الفقيه. ولم يتحرك أحد، سوى أصوات المعارضة. ذلك لأنها اُعتبرت أرضاً سليبة. أو موقعاً «عدواً» . تمَّ اعتقال العديد من شبانها وإيداعهم السجون بلا محاكمة بتُهم وبلا تهم، حاول الحزب «الالهي» أن يورط القوى الرسمية ولا نعرف إلى أي مدى نجح… وكم طالب أهل عرسال وناشدوا الدولة. بأن يحموا حدودها والحدود الشمالية. لكن عبثاً، فخيوط التآمر تحاك في ظلام العقول المجرمة. عرسال، التي استبيحت على مدى السنوات الأخيرة، وحوصرت، ووضعت في دائرة «الارهاب والتكفيريين» من الطبيعي ان تمهد تلك الإستباحات السابقة لاستباحة الارهابيين. اليوم أهلَها والجيش سعياً إلى ضربها وتهجير أهلها. فالإرهاب الذي «يغزو» عرسال اليوم، وافداً من الأراضي السورية، ليس ابن ساعته. فمقدماته تولى وضعها حزب «سليماني» وجماعة 8 آذار والنظام السوري: فكل شيء مباح في الأرض المستباحة بغية جر ناسها إلى «التطرف» (وهم من أهل الاعتدال) وإلى الإرهاب (وهم من مواجهيه) وإلى المذهبية وهم يتمتعون بوطنية، وعروبة ولبنانية يفتقدها حزب الله ومن لف لفه، في صلب الدولة اللبنانية وخارجها.
أو ليست عرسال سنية عروبية، إذاً فلتُضرب! أو ليس هذا ما حدث ويحدث في طرابلس وبيروت وصيدا… رفعت العيد هذا الإرهابي العميل، أدى وظيفته في جبل محسن، وفي «الفيحاء» من افتعال حروب عليها وتفجيرات وقصف وترويع بأموال وتسليح ورعاية حزب الله والنظام السوري. أو ليست طرابلس متعددة واكثريتها سنية ووطنية، إذاً فلتكن في عين العاصفة.
وصيدا ألم يُفبرك الشيخ أحمد الأسير ويُنفخ لتصوير سنة صيدا بأنهم «متطرفون»؟ وهل ننسى أشكال العدوان التي قامت بها سرايا «العدوان النازية» التابعة للحرس الثوري الإيراني اللبناني في الاعتداء على المناطق واستفزاز الناس والتعرض لكراماتهم لتتحول صيدا «بؤرة» ملتهبة تُتَهم بإذكاء الفتنة المذهبية التي يغذيها حزب الله بالمال والسلاح والنفاق والاعلام الأسود؟ وهل ننسى عبرا؟ وما حصل في عبرا؟ ومن ورط حزب الله من قوى في هذه المعركة؟ (وهل يتكرر التوريط اليوم في عرسال). وهل ننسى جبخانة ميشال سماحة وعلي المملوك المليئة بالمتفجرات وخطط القتل والاغتيالات والمجازر، لتأجيج الصراع المذهبي في عكار وطرابلس. وهل ننسى السيارات المفخخة أمام المسجدين في طرابلس والتي قتلت أكثر من 50 مواطناً ، وكان بطلها رفعت عيد وعلي عيد العميلين عند الحزب والنظام السوري. ومن لا ينسى شاكر البرجاوي وجرائمه في الطريق الجديدة واغتيالاته ومعاركة المصممة للفتنة والترهيب؟ وهنا لا بد من أن نتذكر معارك نهر البارد ونجمها الإرهابي شاكر العبسي رسول المخابرات السورية: وكيف بدأت المعارك بالعدوان على الجيش اللبناني واغتيال عدد من أفراده وضباطه؟ أو ليس شاكر العبسي هو ملهم الإرهابيين اليوم في عرسال. وما الفارق بينهما؟ ان شاكر العبسي كان مدعوماً من حزب الله والنظام السوري، بالسلاح والمال وبالخطوط الحمر التي وضعها حزب الإرهاب للجيش اللبناني «نهر البارد خط أحمر»! تماماً كما كان جبل محسن خطاً أحمر بالنسبة للحزب و8 آذار. ومن هذه المقدمات «الاستباحية» نتوقف عند 7 أيار والغزوة «الشارونية» (الإيمانية) لبيروت وللجبل؟ وماذا نقول عن اغتيال أحد أفراد الحزب الضابط اللبناني الطيار سامر حنا في سُجد لأنه حلّق بطائرته المروحية فوق حدود «جماهيرية» إيران في الجنوب!
أما الانتهاك الأكبر الذي ضرب الأرقام القياسية، (في صُنع الفتن) فهو توريط خامنئي جنوده حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا بذريعة مذهبية «حماية مقام الست زينب!» وان ما فعله الحزب ليس انتهاكاً فقد لإرادة الشعب السوري، وانما للحدود اللبنانية. وكما فعلت «داعش» في محاولة إلغاء الحدود بين الدولتين السورية والعراقية… فحزب الله الداعشي عقلاً وعقيدة وروحاً وايماناً وَوَرعاً وصِدقاً، الغى الحدود المرسومة بين لبنان وسوريا لتكون ممراً «لمقاتليه» (وهم ضحاياه أولاً) وأسلحته، وعتاده ومركباته وذخائره. لا حدود ولا جيش ولا قوى امن على الحدود. وكأنها حدود إيرانية أو سورية، لا تنتمي إلى أي حبة من جغرافية لبنان وسيادته. وكم طالب أهالي عرسال وسواهم و14 آذار وسواهم ان يستلم الجيش الحدود ويمنع مرور الأسلحة دخولاً وخروجاً. عبثاً. فكيف يقبل حزب الله ان تكون حدود إيران «المرسومة» بين لبنان سوريا، بأيدي الجيش اللبناني! لا! وألف لا! فهذه الحدود نحن نرسمها بكلمات وأمتار وكيلومترات وفضاءات فارسية. (كالجنوب الذي بات خطوط دفاع لإيران بفضل جنود ولاية الفقيه في لبنان!) إذاً لا حدود لبنانية حيث يكون الحزب! هذه مسلمات. وخطوط حُمر. أو ليست هذه المعضلة التي واجهها اللبنانيون كلهم، وأهل عرسال، وعكار عموماً، الذين طالبوا وطالبوا بدخول الجيش إلى مناطقهم واستلامهم الحدود ، لكن عبثاً! فالممرات التي كان يخترقها حزب الله في الحدود مع سوريا لا تعصى على من يريد أن يحارب حزب الله في لبنان. أي سياسة التورط في الدفاع عن النظام السوري، تجر تورطاً في الهجوم على معاقل الحزب. وهذا بالذات، ما يفسّر التفجيرات الإرهابية في الضاحية وحولها. في عقر دار الحزب. في عُقر كانتونه المصون. في عُقر جماهيريته الفارسية. فكأنما منطق الحزب، بأننا نستطيع القتال والقتل في سوريا، ونحن معصومون وآمنون في لبنان ليس إلا صبيانياً! وتافهاً! ومعضلة عرسال اليوم، هي نتيجة كل المقدمات التي أوردنا، أقصد المقدمات الاستباحية والإرهاب والانتهاك وعدم التزام سياسة النأي عما يجري بين النظام وشعبه في سوريا! وليس غريباً عند هذا الجهاز الأمني العسكري المسمى حزب الله، ان يطالب بالنأي في اعلان بعبدا، ويوقعه، ثم يلحس توقيعه! لَحْسُ التواقيع «فضيلة» من نقائص الحزب و«نقيصة» من «فضائله» الجمة!
وماذا يبرر «وجود» الحزب (وسلاحه الإيراني) سوى الافتتان بالفتن! سوى تنفيذ «أجنده» إيران الاسرائيلية في تدمير مؤسسات الدولة، وتعطيل مجلس النواب، وتغييب رئيس الجمهورية ومحاولة استيعاب الجيش. هذا مبرر وجوده. وعلى هذا الأساس انشئ في إيران (وليس في لبنان)، لتنفيذ مخطط تقسيم الأمة العربية إلى كانتونات مذهبية، حيثما تكن إيران تكن الفتن. الحوثيون في اليمن، المالكي في العراق، سليماني (وتابعه وحزب الله) في سوريا، المتطرفون في البحرين… كل ما كانت تريد ان ترتكبه من تدمير لجغرافيته المنطقة العربية، وتشتيتها واذكاء حروب «المذهبية» فيها ها هي إيران تتولى مهمة إكمال اسرائيل المسيرة!
عرسال، اليوم، في أعلى نقطة من جلجلتها، من ضحية الوصايتين والحزب و8 آذار إلى ضحية «النصرة» والارهابيين. وهكذا تحقق حلم حزب الله! توريط الجيش وتعميق التناقضات وافشال كل توافق على حل، والاشتراك (مع النصرة) في قصف عرسال ومحاصرتها ومنع دخول المساعدات الانسانية إليها ومنع الذين يريدون ان يهربوا من نار القتل والخروج منها! مدرسة نتنياهو مزدوجة: «النصرة» والارهابيون الوافدون يتبنونها وكذلك الحزب! ارث نتنياهو واساليبه الاجرامية، ارث ثمين على قلوب الارهابيين.
وما يدعو إلى الفخر، أن أهالي عرسال المنكوبين «بدولتهم» ها هم يساعدون الجيش اللبناني على دحر الارهابيين ويحمونه، وطاردوا أبناءها وجرّموها، و«أبلسوها» وها هي بكل ايمان بلبنان وبجيشه وبعلمه تهب لتقاوم الارهابيين. اما حزب الله الذي «اُستدعي» إلى سوريا للدفاع عن نظامها ها هو يقتل ويقاتل هناك تحت مرجعية سليماني وبأمرته (يرفض الحزب ان تكون مرجعية سلاحه للدولة والجيش، لكنه يخضع لمرجعية خامنئي: رائع! وكمان مقاومة!). ولا نظن أن «النصرة» وداعش (والأخيرة من فبركة إيران أصلاً، وربما الأميركان) تختلفان عن حزب الله! ولا نظن أن الطغاة العرب يختلفون عن أردوغان وبوتين وخامنئي وبينوشه. انهم من سلالة واحدة لا تنجب سوى الخراب. ولهذا، فمحاولة حزب الله التمسك بوجود مقاومة ترّحم هو عليها قبل أن يترحم عليها الناس، إنما لإيجاد فارق بين الظواهر الارهابية وطفيلياتها التي نشأت على هوامش الربيع العربي لتدمره، وبين «قداسة» المقاومة، وصولاً إلى المتهمين بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وشهداء 14 آذار والذين رفعوا إلى مستوى «القديسين» ويافطة الارهاب التي ترفع ضد كل من يقاوم المالكي، (أو بوتين)، أو النظام السوري تشبه يافطة «معاداة السامية التي يرفعها الصهاينة لتبرير جرائمهم. وقد وصل الأمر بحزب «النفاق» (الأبدي) إلى الصاق تهم الإرهاب بـ 14 آذار زاعماً انهم يدعمون داعش والنصرة! لسبب واحد: لتلويث كل من يقاوم إرهابه بصفة الإرهاب. ارهابي عتيق، ومجنزر يتهم المدافعين عن عروبة لبنان وسيادته، واستقلاله وجيشه، وقواه الأمنية (المستقلة) بالعمالة.. وأخيراً بالإرهاب! انه لعُهرٌ ما بعده عهر!
قد يقول بعضهم، إنه كان علينا ان نكتب ما يُعزز الوحدة الوطنية في مواجهة العدوان على عرسال. لكن ما نكتبه هو من العناصر التي لا تقوم من دونها أي وحدة: الحرية، السيادة، عودة الحزب من سوريا، تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، احترامه ارادة الشعب اللبناني في اختياراته، عدم استعماله العنف في معالجة الاختلافات السياسية، التوحد تحت علم واحد وتحت شعار واحد: «لبنان أولاً» (أقصد لبنان العربي المنفتح) ومواجهة اسرائيل مواجهة جماعية، تحت سلطة الدولة، هذه هي أسس الوحدة الوطنية. فهل يؤمن حزب الله ببند من هذه البنود التي أوردنا؟ العوذ بالله!
اليوم، نعم! نحن وراء الجيش وقوى الأمن الداخلي والدفاعات المدنية، وضد النصرة وداعش لكن ان تكون هذه الحرب «التحريرية» في عرسال، رسالة أمان إلى تلك المنطقة الأبية (غير المرتهنة لا بسوريا ولا بإيران!) وانما الوفية لترابها رسالة حماية لها في المستقبل مما يُضمر لها حزب الله من شرور، يترجم حالياً بقصفها لمعاونة النصرة، وبمنع وصول المساعدات الطبية والغذائية، وكذلك بنعتها بنعوت الإرهاب.
نعم! نحن وراء الجيش ليكون جيش لبنان، والحدود وحماية الديموقراطية ومواجهة ما تبقى من ميليشيات والدفاع عن السلم الأهلي والمؤسسات.. وما الهبة السعودية بمليار دولار لمساعدته سوى إشارة خير (إيران ترسل الأسلحة والأموال للحزب والسعودية للدولة ومؤسساتها).
نعم! فلينتصر الجيش على هؤلاء الإرهابيين كما انتصر على عملاء النظام السوري وشاكرهم العبسي في نهر البارد، فالإرهابان واحد… يضاف إليهما الإرهاب الاسرائيلي والارهاب الفارسي!
نعم! نحن وراء الجيش الوطني… وكلنا عرسال!