في لحظة انعدام التوازن السياسي الإقليمي إثر الحرب على غزّة، وفي عز الفراغ الرئاسي واحتدام المعارك السياسيّة الدّاخلية، قرّر بهاء رفيق الحريري دخول «الحلبة». لا مؤشرات إلى أنّ الرّجل آتٍ برعاية عربيّة أو دوليّة، ولا حتّى بـ«دفشة»، بل يأتي حاملاً «كيساً» من المال يفتحه بـ«خجل» لفتح بعض الأبواب المُغلقة، وضغينةً دفينةً تجاه شقيقه سعد، إلى جانب كثير من الأوهام بقدرته على ملء الفراغ السني.لكن هذا كله لا يبدو كافياً لبناء الزعامة السياسيّة أو إعادة عقارب السّاعة إلى عام 2005، عندما قرّرت العائلة والديوان الملكي وقصر الإليزيه أحقيّة سعد في «ولاية الدم». ومذَّاك، يُلاحق الحظ العاثر صاحب شركة «هورايزون للمشاريع الإعماريّة»، إذ كُلّما حاول سحب البساط لناحيته، شدّ العصب الشعبي حول شقيقه!
ولأن الشقيق الأصغر، على ما يبدو، متأكّد من هذا الأمر، كانت توجيهاته واضحة لأنصاره: «اتركوا بهاء يفعل ما يريد». سعد، الذي تؤكد مصادر المستقبل أنه لن يبقى معتكفاً إلى الأبد، يبدو متيقّناً من امتلاكه «قوّة مانعة» نيابيّة وشعبيّة، تصدّ أي محاولة للدخول إلى الشّارع السني. راحة رئيس «تيّار المستقبل» مستمدّة من كوْنه الرّجل الأقوى سنياً، حتّى ولو أُرغم على إطفاء «موتيراته السياسيّة»، إذ إن مخزونه على الأرض يكفيه سنوات من الاعتكاف.
«كاريزما» سعد وعفويّته وقربه من النّاس، هي فعلياً «دعامة» رافعته الشعبيّة، وهي التي تجعل «ذنبه مغفوراً» بعد سلسلة من الهزائم السياسيّة وانعدام الخدمات و«ضيق الأحوال». وهو لطالما أسرّ إلى فريق عمله بأنّ «وجهه» هو كلّ ما يملك لخوْض الحملات الانتخابيّة بعد الأزمة
الماليّة التي ألمّت به!
وهو «الوجه» نفسه الذي ينافس فيه شقيقه شعبياً من دون أن يُخطّط لذلك. فمنذ أن أعلن بهاء العودة إلى لبنان لإطلاق مسيرته السياسيّة، كانت المقارنة جاهزة بين الشقيقين اللذين تبيّن أنّهما من «طينة مختلفة» في التّعاطي الشعبي، أو كما يحب للخصوم تسميته «ابن الرئيس الشهيد» و«ابن صافي كالو»؛ الأول كريم والثاني بـ«إيد ماسكة»، أحدهما ضاحك وعفوي والآخر يُحاول الابتسام ويُخطّط لانفعالاته. ربّما يُدرك بهاء «لعنة الكاريزما»، ولذلك، يُحاول أن يتخلّص من «طبعه الجاف»، و«ينزل» إلى الجمهور لالتقاط صور «سيلفي»، كما يفعل شقيقه. وهو لذلك، أيضاً، جرّب الاستعاضة عن «الكاريزما» بدعمٍ عربي، إذ إنّ علاقاته الأردنيّة لم تنفعه يوماً، لأنّ «الحل والربط» بيد السعوديين.
وعليه، كانت «الانبطاحة» للسعوديّة حينما التقى للمرّة الأولى بسفيرها وليد البخاري عند تقديمه واجب العزاء إلى عمّته بهية الحريري بوفاة زوجها. سريعاً، اختار بهاء كرسيّه على يمين البخاري، من دون أن يوفّق بفرصةٍ ليقول ما عنده. وأصرّ قبل خروج البخاري على «كلمةٍ على جنب»، وهو ما أحرج السفير السعودي الذي انتحى به في أحد الصالونات في منزل عمّته، وردّد أمامه أنّ «دمي سعودي، وأنا جاهز لفعل ما تريده المملكة».
بحسب المعلومات، نقل البخاري الرسالة إلى بلاده، فأتى الجواب سلبياً، إذ يتردّد أنّ دوائر القرار في المملكة غير متحمّسة لدعم بهاء، وأن خطأ رهانها عليه يوماً للإطاحة بشقيقه في السعوديّة عام 2017، لن يتكرّر. وهذه الرسالة كانت مدعّمة أكثر من مسؤولٍ سعودي، من بينهم الوزير والمكلّف بمتابعة الملف اللبناني نزار العلولا، مفاده أنّ «من يخون شقيقه قادر على خيانة الآخرين»، مؤكدين أنّ بلادهم لن تضع يدها بيده!
«لقاءات خفيفة»
هكذا، قُضي الأمر، و«انتهى» بهاء قبل أن تطأ قدماه لبنان. الأيام الأربعة التي قضاها في بيروت، وبعض الفيديوات التي انتشرت على مواقع التّواصل الاجتماعي، كافية لـ«تحليل» شخصيّة الرّجل، ومآل أحلامه، إذ خلت اللقاءات التي عقدها في فندق «فينسيا» وخُصّصت لاستقبال شخصيّات من العاصمة، من فاعليّات بيروتيّة وازنة، وبالكاد تمكّن من ملء المقاعد الـ 40 التي وزّعها في غرفة الاجتماعات.الحريري للبخاري في «خلوة مجدليون»: أنا دمي سعودي
وإذا كان الحريري «سكِر» من رمي مجموعة تنتمي إلى العشائر العربيّة، بالعباءة على كتفيه، فإنّ المشايخ العرب يقرّون بأنّ «الخرق» بين صفوفهم ليس بالأمر الجلل، باعتبار أنّ «الربع»، كما المشايخ – المفاتيح كانوا غائبين بعدما رفضوا بمعظمهم تلبية الدّعوة، تماماً كما رفضوا استقباله «على أرضهم». بالنسبة إليهم، الأمر محسوم: «ألف مرّة سعد (الحريري) ولا مرّة بهاء»، ووحده «لمّ الشمل» بين الشقيقين يفتح أبواب خلدة والبقاع الموصدة.
حكاية «العرب» تُشبه إلى حدّ كبير ما حصل في اللقاء الذي تحدّث عنه مكتب بهاء الحريري مع وفد من أعضاء اتّحاد رجال الأعمال «إرادة» الذي «وضع إمكاناته بتصرّف الحريري». ساعات قليلة قبل أن تُصدر «إرادة» بياناً نسفت فيه كلام مكتب الملياردير اللبناني، نافية أن يكون وفد منها قد التقاه!
في المحصّلة، كشفت اللقاءات البيروتيّة «خفّتها»، بعدما فشل فريق عمل الحريري في إقناع فاعليات العاصمة بتلبية دعوة رجلٍ وضع كرسياً في مقدّم الغرفة ويستمع إلى زائريه حاملاً ورقة وقلماً، من دون أن ينبس ببنت شفة عن موقفٍ سياسي حقيقي.
صحيح أنّه لم يُغدق الوعود، ولكنّه في الوقت عينه لم يكشف عن مشروعه السياسي ورؤيته الاقتصاديّة، بعدما أشار إلى أنّه يحمل مشروعاً مفصّلاً ونيّته «القضاء على الفساد». كيف؟ لم يقل، مكتفياً بالالتصاق باسم والده، ومؤكداً «إكمال المسيرة»، لإدراكه أنّ صفته الحاليّة في الشارع لا تتعدّى كونه «ابن الرئيس الشهيد».