IMLebanon

لا أحد مستعجل لانتخاب الرئيس

 

وحدها صورة الرئيس ميشال سليمان في اجتماعات مجلس الوزراء توحي بأنه على وشك مغادرة القصر، لأن رئيساً جديداً سيحل محله. باستثناء حماسة جعجع الاستثنائية، لا يبدو أحد مستعجلاً انتخاب الرئيس

كان في وسع حزب التضامن أن ينظم، قبل أسبوعين، مهرجاناً في الفوروم دو بيروت، يدعو إليه كل قوى ٨ آذار وتكتل التغيير والإصلاح وأصدقاء الحزب، ليطل عليهم رئيسه النائب إميل رحمة، مردّداً ما كتبته له شركة استشارية كبرنامج ترشح للانتخابات الرئاسية. ما كان العماد ميشال عون ولا النائب سليمان فرنجية ولا حزب الله ولا حركة أمل سيرفضون الإجماع على تبنيه في الجلسة الانتخابية الأولى، ليحقق انتصاراً عظيماً أول.

وكانت وسائل إعلامية عدة ستتسابق لملء فراغها الهوائيّ بأفكاره، فيحقق انتصاره العظيم الثاني، فيما نائبه في حزب التضامن يجول على مختلف الكتل السياسية لإقناعها ببرنامجه الرئاسي. كانت صورة موفده إلى معراب ستحظى باهتمام صحافيّ وافتراضي واسع. ما كانت العملية لتكلف أكثر من تفرغه أسبوعين، تصديقه نفسه، ومئتي ألف دولار. كان النائب الهرملي سيحصد ثمانية وخمسين صوتاً على الأقل، بفارق عشرة أصوات أقله عن أقرب منافسيه، صديقه السابق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فيحقق انتصاره الثالث. وكان كثيرون سيتأثرون بهذه المسرحية: يعجبون بإثبات رحمة نفسه، يذهلون بحصوله على كل هذه الأصوات، ويصدقون أنه كان على وشك الفوز بالرئاسة الأولى وأنه مرشح جدي ورقم صعب وناخب رئيسي، فيحقق انتصاراً رابعاً. إلا أن رحمة لم يعلق نفسه بحبال الهواء؛ هو لا يحتاج إلى أن يثبت لنفسه والآخرين شيئاً ولا يلهث خلف بطولات وهمية. إنه غير «الكائن الذي لا تحتمل خفته».

هل يصوّت جنبلاط
لعون فيحفظ الحريري ماء وجهه تجاه حلفائه؟

طويت مع انتهاء الأسبوع صفحة ترشيح جعجع. أحد النواب المطلعين في قوى ٨ آذار يقول إن أحد نوابهم، وليس نائباً كتائبياً، من انتخب الرئيس أمين الجميل بوصفه «أحد ضحايا جعجع»، وكان يفترض بنائب آخر أن يضع اسم النائب ميشال المر في السياق نفسه. أما النائب سليم كرم فاستأذن رئيس كتلة المردة النائب سليمان فرنجية لانتخاب صديقه النائب هنري الحلو. وذهبت ست أوراق من قوى ٨ آذار إلى أسماء من يُتّهم جعجع باغتيالهم. ومع كل ذلك، تقدم خيار الورقة البيضاء، بكل ما يحمله من دلالات، على جعجع بأربعة أصوات. لا أحد يتوقع أن يتراجع النائب وليد جنبلاط عن وصفه انتخاب جعجع بأنه مقدمة حرب أهلية جديدة، لينتخبه وكتلته. ولا أن يذهب نواب الحزب القومي وحزب البعث إلى المجلس لانتخاب جعجع. مشكوراً، أعلم جعجع المشككين أن قادة الميليشيات العاديين يوزّرون بعد استصدارهم قانون عفو خاص بهم، أما المتهمون بالمشاركة في المجازر وقتل السياسيين مع أبنائهم في أسرّتهم، وإعدام رفاقهم عبر صبّ الباطون فوقهم داخل البراميل ورميهم في البحر، على حد وصف القواتية السابقة ريجينا صنيفر، فيترشحون للرئاسة ويحوزون ثقة أكثر من ثلث المجلس النيابي.
ينتظر الرئيس نبيه بري مطلع الأسبوع المقبل ليتأكد من عقد العماد عون اتفاقاً تحت الطاولة مع تيار المستقبل أو لا. منذ أتت كلمة السر الحكومية وهو يُسرّ للمقربين منه بوجود اتفاق سري. وخلال شهرين، تراوحت تقديراته بهذا الشأن بين يوم وآخر. أما مصادر حزب الله فسحبت نهائياً التداول بأسماء محتملة أخرى لتولي رئاسة الجمهورية. الخطاب الآن واحد على مختلف المستويات: مرشحنا الأول هو ميشال عون، والثاني والأخير من يسميه عون، ولم يعط حزب الله وعوداً جانبية لأحد. أما العماد عون فيذهب إلى الحفلة الثانية بوصفه مرشحاً توافقياً. هو آثر عدم الترشح في المرة السابقة حتى لا يظهر بمظهر الخصم المواجه لجعجع. وتصرف مع تيار المستقبل باعتباره مجبراً على السير بالترشيح الجعجعي العبثي في أول جلسة. أما هذه المرة، فينتظر فريق عون السياسي الجواب الحريريّ بشأن ترشيحه، لحسم أمر النصاب: إما يماطل الحريريون أكثر ويطيّرون، بالتنسيق مع حلفائهم، النصاب، أو يعلمون عون بموقفهم الحقيقي الذي توحي تصريحات نوابهم بسلبيته الشديدة، فيتعاون مع حلفائه لتطيير النصاب، ويبدأ البحث في الخيارات المتوافرة أمامه كمرشح غير توافقي. ومع أن نواب المستقبل ومسؤوليه لا يقولون، حتى في مجالسهم الخاصة، كلمة إيجابية واحدة عن عون، إلا أن الحريري ومستشاره نادر الحريري يوحيان بالعكس تماماً لعون والوزير جبران باسيل. وتشير بعض المعلومات هنا إلى احتمال لجوء الرئيس سعد الحريري إلى مناورة تقضي بالإيعاز سعودياً للنائب جنبلاط بالتصويت لعون، فيحظى الأخير بأكثر من خمسة وستين صوتاً الضرورية لفوزه بالرئاسة ويحافظ الحريري على ما تبقى من ماء وجهه تجاه جمهوره وحلفائه المسيحيين. إلا أن مصادر جنبلاط تنفي وجود أي اتصالات مع الزعيم الاشتراكي في هذا الشأن. وبعيداً عن التعليقات التي تراوح تقديرها لترشيح جعجع بين الجرأة والوقاحة، لم يسجل هذا الأسبوع في كليمنصو أي اتصال جدي بشأن الاستحقاق الرئاسي. ولا أحد يعلم ما إذا كان جنبلاط سيرفض فعلاً طلباً جدياً من حزب الله بتسمية عون رئيساً، بعدما تجاوز الأخير الفيتوات الحريرية والسعودية والأميركية عليه، وخصوصاً أن تداعيات انتخاب عون رئيساً أقل بالنسبة إليه من تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة غداة إسقاط الحكومة الحريرية، وتوقيعه بالتالي على قرار نفي الحريري.
دبلوماسياً، يلتقي السفير الأميركي كثيرين، لكنه لا يدلي بموقف أبداً. يقول إنه ضد الفراغ وغير ذلك من المواقف الدبلوماسية التقليدية، من دون أن يزكي مرشحاً على آخر، أو ينصح أي طرف سياسي بخارطة طريق ما. أما السفير السوري فيلتزم في مجالسه الخاصة القول إن التفكير في حصول الانتخابات الرئاسية في لبنان قبل إجرائها في سوريا شبه مستحيل، مقابل تراجع حضور الدبلوماسية السعودية في الملف اللبناني على نحو غير مسبوق، في ظل التغييرات التي تشهدها المملكة وعدم وجود السفير معظم الوقت في بيروت، بينما لا تجد الحماسة الفرنسية للعب دور ما في الساحة اللبنانية لاعبين يرتدون القمصان الزرق. والذين يلتقون السفراء الأجانب يكررون القول إنه ما من أحد لديه الوقت لمتابعة تسوية لبنانية شاملة أو تعديل موازين القوى أو إجراء مقارنة جدية بين إيجابية كل مرشح وسلبياته بالنسبة إلى هذه الدول.
لا شيء يوحي بانتخاب رئيس الأسبوع المقبل، أو الأسبوع الذي يليه. سبق الرئيس نبيه بري أن دعا إلى ١٨ جلسة قبيل انتخاب ميشال سليمان رئيساً. وفي دوائر مؤثرة عدة يتكرر الحديث نفسه عن استقرار الأوضاع الأمنية وقيام الحكومة بواجباتها وعدم وجود أمر طارئ يستدعي التسرع في انتخاب رئيس لا يلائم المرحلة المقبلة التي لم تتضح معالمها بعد.