لم يعد الهاجس الأمني وحده هو ما يلقي بثقله على لبنان. لبنان مُقبل على أزمة جديدة تتعلق بغياب التغطية القانونية لصرف رواتب موظفي القطاع العام نهاية الشهر الحالي. وزير المال علي حسن خليل حذّر مجلس الوزراء في جلستيه الأخيرتين
إلى جانب الهاجس الأمني الذي يُلقي بثقله على لبنان، ويطغى على ما عداه من ملفات في مقدّمتها أزمات النازحين السوريين والكهرباء والماء، يُقبل لبنان على أزمة جديدة، هي عدم القدرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام، إذ علمت «الأخبار» أن وزير المال علي حسن خليل أبلغ مجلس الوزراء أنه في نهاية شهر تموز الحالي لن يدفع رواتب موظفي القطاع العام ولا المياومين والمتقاعدين.
والسبب هو عدم وجود تغطية قانونية لصرف الأموال التي أكد خليل أنها «متوافرة، لكن لا يوجد نص قانوني يجيز صرفها في ظل عدم إقرار مجلس النواب لقانون موازنة عامة منذ سنة 2005». وقال خليل إن «القاعدة الاثني عشرية، والقانون الذي صدر في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ سنتين والذي شرّع للحكومة صرف حوالى 8900 مليار تُضاف إلى ما هو مسموح بإنفاقه بموجب موازنة عام 2005، ليسا كافيين لتغطية الإنفاق العام». وأشار إلى أن «إقرار سلفة للوزارات في مجلس الوزراء هو أمر مخالف للقانون، وأن الحل الوحيد لقوننة هذا الإنفاق هو في إصدار قانون خاص في مجلس النواب أو إقرار موازنة عامة». وأكد وزير المال أنه «يرفض إقرار أي سلفة في مجلس الوزراء بغض النظر عن الوزير الذي يطلبها». ولفت على سبيل المثال إلى أنه «رفض طلب زميله في كتلة التنمية والتحرير، وزير الأشغال غازي زعيتر، الحصول على سلفة بنحو 130 مليار ليرة لاستكمال مبلغ جرى إقراره في حكومة ميقاتي، للقيام بتنفيذ أشغال عامة في المناطق». وجدير بالذكر أن غالبية الوزراء في حكومة الرئيس تمّام سلام رأيهم مخالف لرأي الوزير خليل. فهم يرون أن «النفقات الجارية ليست بحاجة إلى نصّ قانوني لصرفها»، لكن «وزير المال يُصرّ على أنها تحتاج إلى نصّ قانوني لصرفها». وفي الجلستين الأخيرتين للحكومة، قدّم الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل البوجي مطالعة قانونية يقول إنها تستند إلى قانون المحاسبة العمومية، ليخلص إلى أنه «يجوز صرف رواتب الموظفين من دون إقرار قانون خاص»، لكن الوزير خليل الذي ما زال يُدقّق قانونياً في ما يطرح عليه، يؤكد حتى الآن أنه «ما زال مقتنعاً برأيه»، مع علمه بأن «هذا الرأي غير شعبي إطلاقاً».
يتشاور برّي وجنبلاط في إمكان التمديد ثلاث سنوات للمجلس النيابي
وقال على طاولة مجلس الوزراء: «أنا لن أوقّع هكذا مخالفة، وإذا أصررتم على ذلك فاستعينوا بوزير غيري». وعلمت «الأخبار» أنه في الجلسات الأخيرة للحكومة «حصل همس بين بعض الوزراء، تحديداً وزراء تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، بأن الوزير علي حسن خليل يحاول من خلال قراره هذا «استدراج القوى السياسية ودفعها للنزول إلى مجلس النواب، بهدف عودة المجلس إلى ممارسة دوره التشريعي رغماً عن المعترضين»، فرّد خليل على زملائه بالقول «لا تربطوا الأمور بعضها ببعض، وأنا مش فارقة معي، المهم أنني لا أريد أن أسجّل على نفسي مخالفة قانونية، وخصوصاً أن القوانين تجعلني مسؤولاً بشكل شخصي عن كل إنفاق من دون تغطية قانونية». وأكد خليل أنه «في حال صرفت أموال الرواتب بسلفة مخالفة للقانون، فإن ذلك سيفتح الباب أمام جميع الوزراء للمطالبة بسلف غير قانونية لإنفاقها على شؤون شتى في وزاراتهم»، وأكد أن «الحل الأمثل لكل هذه الازمة هو في إصدار قانون موازنة عامة».
اتفاق على التمديد
على صعيد آخر، وفي ظل الكلام الكثير الذي يخرج على لسان ممثلي الدول الغربية وعدد من الدول العربية عن أن الفراغ الرئاسي خطير جداً، وأنه يجب على القوى السياسية في لبنان العمل على انتخاب رئيس للجمهورية، علمت «الأخبار» أن «رئيس مجلس النواب نبيه برّي سيبدأ حركة مشاورات في الأسبوع المقبل مع كل الكتل النيابية ورؤسائها لمحاولة تحريك الركود الرئاسي والبحث في مخارج للأزمة الرئاسية، يأتي بعد تحرّك فرنسي لحلحلة العقد الرئاسية، مع التأكيد على وجوب عزل لبنان عما يجري حوله». وكشفت مصادر مقرّبة من برّي أن «أخباراً وصلت إلى عين التينة تُفيد بأن فرنسا ستبدأ حركة مشاورات مع دول أخرى لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية». ويأتي هذا التحرك بعد «اتصالات فاتيكانية بروسيا لضرورة العمل على حماية الموقع المسيحي الأرفع في الشرق. وستشمل الاتصالات روسيا والفاتيكان وأميركا والسعودية وإيران». هذا وقد يزور عدد من الشخصيات السياسية اللبنانية باريس قريباً، للبحث في كيفية تسهيل الانتخاب. وفيما يظهر أن الاتفاق على قانون انتخابات جديد مستحيل في الوقت الراهن، وأن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها غير وارد عند جميع الأفرقاء، يبدو الاتجاه إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي هو الأكثر قابلية للتنفيذ. وفي هذا الإطار علمت «الأخبار» أن «اتفاقاً حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط على ضرورة تجنّب الانتخابات النيابية في أوضاع كهذه». وبدأ الثنائي العمل على تهيئة أجواء التمديد للمجلس، والمهلة التي يتشاوران بها قد تتراوح بين سنتين ونصف السنة أو ثلاث سنوات. وفيما لا تزال الهجمة على مبادرة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح ميشال عون الأخيرة مستمّرة، أشار النائب آلان عون إلى أنّ التكتل يعوّل حالياً على «جدية» عند أفرقاء آخرين مثل تيار المستقبل، نافياً ما يُحكى عن أن المبادرة التي تم إطلاقها أخيراً جاءت رداً على فشل الحوار مع المستقبل. وأوضح أنّ «الحوار لا يزال قائماً معه، لكن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يواجه عقبات داخلية وخارجية تعيق تقدم الأمور».
سجال بين باسيل وميقاتي
من ناحية أخرى، تتفاقم أزمة النازحين السوريين في لبنان يوماً بعد يوم. وفي ظل التحذير اللبناني والدولي من تطوّر سوء أحوالهم والحديث عن أعداد النازحين التي تفوق الإحصاءات الرسمية، رأى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أن «لبنان يشهد كارثة كبيرة نتيجة النزوح السوري». ولفت في مؤتمر صحافي، عرض خلاله التطورات في ملف النازحين السوريين، إلى أن «لبنان يعطي النازحين كهرباء بقيمة 100 مليون دولار شهرياً، والمستشفيات تسجل 80 حالة ولادة سورية مقابل 40 ولادة لبنانية، ما يعني أن هذا النزوح اقتصادي لا سياسي». وأشار إلى أن «لبنان نفّذ اتفاقيات من دون التوقيع عليها، وفتح حدوده من دون مقابل، ولم يمارس لبنان حقه في منع النازحين السوريين من ممارسة أمور لا يحق لهم القيام بها». وقال: «نلاحظ محاولة لفرض أمر واقع وإقامة مخيّمات داخل الأراضي اللبنانية»، مؤكداً أن «أي شكل من أشكال شرعنة مخيمات النازحين السوريين في لبنان هو نوع من توطين». وبعدما انتقد باسيل الحكومة السابقة على أدائها في إدارة ملف النازحين، رد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على باسيل قائلاً إن «وزير الخارجية يعلم جيداً أن الحكومة التي كان وزيراً فيها وجدت نفسها فجأة أمام معضلة إنسانية كبيرة، في موضوع النازحين السوريين، ولم يكن ممكناً معالجتها في حينه بأفضل مما كان، كما يعلم جيداً أن كل محاولة من الحكومة للحدّ من دخول النازحين كانت تقابل بحملة داخلية وخارجية عنيفة، إضافة الى الضغوطات الدولية الكبيرة على لبنان لعدم إقفال الحدود».
الأسير وزريقات
أمنياً، هاجم الناطق الإعلامي باسم كتائب عبدالله عزّام، سراج الدين زريقات، عبر موقع «تويتر»، حساب «لواء أحرار السنّة في بعلبك»، معتبراً أنه «اسم وهمي لحساب تديره أياد تابعة لحزب إيران، محذراً من التواصل معه». وفي الإطار عينه، ظهر الشيخ الفار أحمد الأسير في شريط مصوّر بعنوان «نصيحة إلى آل سعود»، هاجم فيه العائلة الحاكمة في الجزيرة العربية، متهماً إياها بالفشل في الداخل والخارج وباسترضاء الغرب للحفاظ على عرشها. ووصف الأسير تيار المستقبل بـ«الصحوات».