IMLebanon

لا صفقة خلف عودة الحريري

بعودة الرئيس سعد الحريري نهاية الأسبوع الفائت، حصلت القطيعة السياسية والنفسية مع حالة “المنفى” التي أمضاها مدى أكثر من ثلاثة أعوام. فبعودته كسر هذا الحاجز، وجرى تثبيت المعادلة الجديدة في البلاد والتي تقوم اليوم على حقيقة مفادها أن أياً من الأطراف، مهما بلغ من القوة والجبروت مقارنة ببقية اللبنانيين، لا يسعه أن يخلق قيادات للآخرين ويفرضها عليهم. ومع أن سقوط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل عام، ثم تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام مطلع العام الحالي اعتبرا دفناً لانقلاب كانون الثاني 2011 الذي قاده “حزب الله” بـ”القمصان السود” وغيرها من وسائل الترهيب، فإن عودة سعد الحريري على خلفية أحداث عرسال الخطيرة وإمساكه بملف شديد الحساسية كالعمل على تسليم هبة سعودية بمليار دولار، والمناخ الذي بثته عودته الى لبنان، شكلت في الحقيقة دفناً للانقلاب، واستعادة لحد أدنى من التوازنات الحساسة في البلاد، بالرغم من فائض القوة الهائل لـ”حزب الله”.

عاد الحريري وتوالى ضخ المعلومات المغلوطة من الخصوم محمّلا عودته أكثر مما تتحمل، كالقول ان ثمة صفقة سياسية – أمنية عاد بموجبها الى لبنان، وقد تبين وسيتبين بمرور الوقت ان لا صفقات ولا طبخات رئاسية جاهزة، ولا مظلات أمنية من الطرف الذي دأب على ممارسة الاغتيالات السياسية في لبنان على مر الاعوام العشرة الاخيرة. بل ان عودة الحريري مرتبطة بما يتجاوز الاطار الاقرب من التسويات، الى ما هو استراتيجي في البلد. فالخلاف العميق حول الخيارات الكبرى في لبنان قائم ومستمر ولم يتغير شيء. والموقف من سلوكيات “حزب الله” الخارجة على القانون والصيغة والمنافية لمعنى وجود الكيان اللبناني لا يزال كما كان، ومعارضة تورط الحزب المذكور في قتل السوريين على أرضهم أقوى من أي وقت مضى، لا سيما انها في قراءة سعد الحريري أساس لاستدراج النار السورية الى أرض لبنان. أما الموقف الداعم لمشروع الدولة، وهو نقيض مشروع “حزب الله”، فهو مشروع الحريري الذي لم يتزحزح عنه قيد أنملة طوال ثلاثة أعوام وأكثر. وأخيرا وليس آخرا فإن عودة الحريري مرتبطة بالحرائق المتنقلة من العراق الى لبنان مرورا بسوريا، حيث ثمة من يعمل على اختطاف الاسلام والمسلمين بجرّهم نحو التطرف والارهاب.

في عرسال كادت البلاد تسقط في هوة سحيقة، وساهم سعد الحريري في منع ذلك الى جانب الجيش، الذي تصرفت قيادته بوعي في معظم مراحل الازمة. لكن حرائق المنطقة هائلة ولبنان ليس بمنأى عنها، وخصوصا بوجود فريق لبناني غارق في دماء السوريين والعراقيين (الآن) وفق أجندة خارجية تتقدم لبنان واللبنانيين في كل حين.

ان عودة الحريري التي يعتبرها معظم الافرقاء عاملا ايجابيا، تحتاج لكي يترسخ منطق التهدئة اكثر، الى ملاقاة الطرف الذي لا يزال يمسك بلبنان رهينة.