لا أعرف ما إذا كانت تلك الصحيفة قد قصدتها، أم لم تقصدها، ولكن ما أعرفه أن ما تم نشره فيها، في أعقاب تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن خطر الإرهاب على أوروبا وأميركا، إنما يشير إلى سوء نية بالغ من جانبها، وهو سوء نية كشف عن نفسه، في مواقف عدة من قبل، من جانب غيرها من الصحف ووسائل الإعلام عموما، ونبه إليه كثيرون بيننا، دون جدوى!
أما الصحيفة التي أقصدها، فهي «واشنطن تايمز»، وأما سوء النية الذي جاء من جانبها، فكان في الطريقة، أو بمعنى أدق الصيغة التي نشرت بها تصريحات خادم الحرمين الشريفين، حول خطر الإرهاب الذي يتوقعه على أوروبا وأميركا معا، خلال حيز زمني قريب، إذا ما التزموا هم هناك إزاءه الصمت!
فالملك عبد الله كان قد تسلم أوراق اعتماد عدد من السفراء لدى المملكة، يوم السبت قبل الماضي، ويومها أراد أن يضع أمانة في عنق كل سفير ممن اعتمد أوراقه، فقال موجها حديثه إليهم جميعا، إن عليهم أن ينقلوا إلى زعمائهم، تحذيره الجاد كملك للمملكة العربية السعودية، من أن السكوت عن إرهاب تنظيم «داعش»، سوف يغريه بأن يصل بإرهابه إلى أوروبا نفسها، ربما في غضون شهر، ثم إلى أميركا ذاتها، ربما في غضون شهرين!
إلى هنا، تبدو الأمور في وضوح الشمس، فالعاهل السعودي الذي اشتهر بحكمته في أكثر من موقف من قبل، ينبه العالم إلى أن الإرهاب الذي يمارسه أفراد هذا التنظيم، في العراق، أو في سوريا، أو في أي مكان آخر في منطقتنا، سوف يخرج منها إلى غيرها، إذا لم يجد في مواجهته موقفا موحدا، وحازما، وقويا من العالم كله، وليس من دول المنطقة وحدها.
والملك عبد الله لم يشأ أن يجعل تحذيره في مناسبة من النوع العادي، وإنما أراده أن يصل إلى كل عاصمة من عواصم الدنيا، فخاطب عددا من السفراء كانوا بين يديه، لعل كل واحد فيهم يسارع إلى إبلاغ دولته دون إبطاء.
وحين طالعت من جانبي، أصداء تصريحات الملك، في صحيفتنا هذه، في اليوم التالي مباشرة، أي في يوم الأحد قبل الماضي، لفت انتباهي بقوة، أن «واشنطن تايمز» تحديدا قد نقلت تصريحات الملك، من خلال صيغة شديدة لم توفق في طرحها.
كانت الصيغة واضحة من خلال الصورة الزنكوغرافية التي نقلتها «الشرق الأوسط» عن تلك الصحيفة، وكانت الصيغة المنشورة في سطورها هي كالتالي نصا: Islamic State.
طبعا نعرف أن هذه العبارة الإنجليزية تعني الدولة الإسلامية، عند ترجمتها إلى العربية، ونعرف أن التنظيم إياه، الذي حذر الملك عبد الله من تمدد خطورته، يقول إن هذا هو اسمه الحقيقي، وإن «داعش» هذا، ليس إلا اسم الشهرة كما يقال!
ولكن، علينا أن نلاحظ هنا، أن الصحيفة وهي تنقل تحذيرات الملك، لم تشر من قريب، ولا من بعيد، إلى كلمة «الإرهاب» التي قصدها الملك، والتي حذر منها في الأساس، ولا حتى أتت بسيرة لـ«داعش»، وإنما قالت «واشنطن تايمز» إن ملك السعودية يقول إن الدولة الإسلامية – هكذا دون وضع العبارة حتى بين قوسين – سوف تصل إلى أوروبا في خلال كذا من الوقت، وإلى أميركا خلال كذا!
وعندما يطالع القارئ في الغرب، ما يمارسه التنظيم الإرهابي، وما يفعله، على أنه «الدولة الإسلامية»، فمعنى هذا، أن هناك ارتباطا سوف يقع بالضرورة في ذهن هذا القارئ، بين الإسلام وبين أفعال التنظيم الإرهابي وممارساته، وسوف يكون معنى ذلك في إجماله، أن قتلا أو قطعا إذا وقع على يد فرد في التنظيم، فإن الذي قتل هو الدولة الإسلامية، لا «داعش»، وهكذا.. بكل ما ينطوي عليه الربط بين أفعال الإرهاب، وبين الدولة «الإسلامية» من خطر على صورة ديننا الذي لا يقر في أصله أي عنف من أي نوع، في حق أي بني آدم.
أريد أن أقول، إن علينا أن نؤكد طول الوقت، أن «داعش» ليس دولة، وإذا كان دولة، فهي ليست إسلامية، وبما إنه لا هو دولة، ولا هي إسلامية، فهذا ما يتعين علينا أن نقوله ونردده في كل لحظة، حتى لا يقع الخلط في أذهان الناس في الغرب، ونحن لا ندري!
فالإسلام، ديننا السمح، لا يعرف في مقاصده العليا، ولا في أصوله الأولى، قتلا ولا عنفا، ولا يحرض عليها بالنسبة لأي إنسان، مهما كانت ديانته.
ولذلك، هناك فارق كبير للغاية، بين أن يحذر الملك عبد الله، من خطر الإرهاب، قاصدا شيئا محددا، وبين أن تنسب إليه الصحيفة، أنه يحذر من خطر «الدولة الإسلامية».. إنه الفارق بالضبط، بين الإرهاب بوجهه القبيح، وبين الإسلام بصورته الناصعة الصافية، مع ما بينهما من مسافة كالتي بين السماء والأرض!
ما قالته الصحيفة، تقوله وسائل إعلام غيرها، وعلينا نحن، كل في مكانه، أن نعري هذا الخلط، أولا بأول، وألا نتركه يمر إلى أي عقل، أو يتسرب إلى أي وجدان.