على وَقع تواصل الترشيحات للانتخابات النيابية المرجّح ألّا تُجرى في موعدها المقرّر في 16 تشرين الثاني المقبل، وفيما أزمة الاستحقاق الرئاسي تراوح مكانها، قرّرت الحكومة المفاوضة لإطلاق العسكريّين المخطوفين لدى «داعش» و»جبهة النصرة» في جرود عرسال، رافضة أن تكون سلامة هؤلاء «موضع مساومة أو تخاذل أو مقايضة»، ومُعوّلة على اتصالات يُجريها رئيس الحكومة تمّام سلام مع بعض الجهات الدولية، ومؤكدة أنّ «الدولة بمؤسساتها وقواها الأمنية ستتصدى بحزم لكلّ ما يهدّد حياة هؤلاء الأبناء».
بَرز الكِباش الى العلن بين الحكومة التي أبدَت استعدادها للمفاوضة لتحرير العسكريّين المخطوفين لدى الإرهابيّين لا مقايَضتهم مع موقوفين إسلاميين، مؤكدة انّ سلامتهم ليست موضع مساومة، وبين الأهالي الذين صَعّدوا موقفهم ورفعوا وتيرة تحركاتهم، فأمهلوها 24 ساعة لحلّ قضية أبنائهم مهددين بإقفال كل الطرق بعد انتهاء هذه المهلة من دون أن يتحملوا مسؤولية ما يمكن ان يحصل بعدها. وطالبوا قائد الجيش العماد جان قهوجي باعتقال جميع الوزراء ومقايَضتهم بالجنود المحتجزين.
لجنة أزمة
وشَكّل مجلس الوزراء لجنة أزمة برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام وعضوية وزراء الدفاع والمال والداخلية والخارجية والعدل، لمتابعة قضية العسكريين المخطوفين والوضع في عرسال ومحيطها. وأفادت معلومات انّ النقاش في جلسة مجلس الوزراء، التي استمرت نحو ست ساعات ونصف الساعة، تمحور حول قضيّتي عرسال والعسكريين المخطوفين، وأرجَأ المجلس البحث في جدول أعماله الى جلسة تعقد بعد ظهر الخميس المقبل.
وأبلغ سلام الى مجلس الوزراء أنه أجرى بعض الاتصالات مع جهات دولية مختلفة يمكن أن يكون لها دور في تحرير المخطوفين، وشدّد على وجوب بقاء هذه الاتصالات سرية ضماناً لسلامة العسكريين.
وشرح وزير الداخلية نهاد المشنوق المراحل التي مرّت بها الاتصالات لتحرير المخطوفين. وأجمَع الوزراء على وجوب أن يكون للمجلس موقف موحّد حيال هذه القضية.
ورفض المجلس «أن تكون سلامة المخطوفين موضع مساومة او تخاذل او مقايضة»، مؤكداً أنّ «الدولة بمؤسساتها وقواها الأمنية ستتصدى بحزم لكلّ ما يهدّد حياة هؤلاء الأبناء»، ونَبّه من «الانجرار وراء محاولات لتحوير مسار المعركة لجَعلها بين المواطنين والدولة، في حين ينبغي ان تكون الجهود مشتركة بين الدولة والمواطنين معاً لمكافحة الارهابيّين التكفيريّين».
إعتصام الأهالي
وكانت جلسة مجلس الوزراء انعقدت على وَقع صرخات أهالي المخطوفين العسكريّين الذين قطعوا الطريق الى السراي الحكومي ونفّذوا اعتصاماً طويلاً أكّدوا خلاله أنّ تحرّكهم السِلمي هذا «هو الأخير من نوعه»، وحَمّلوا الحكومة المسؤولية عن خطف العسكريّين، محذّرين من «انّ أيّ نقطة دم تُراق من العسكريين ستُشعِل فتنة تأتي نيرانها على السِلم الأهلي».
سلام والأهالي
وقالت مصادر وزارية انّ سلام طلب الاجتماع بوفد من لجنة اهالي المخطوفين الرابعة عصر أمس، لكنّ موفده الى المعتصمين أبلغَ اليه انهم عقدوا مؤتمرهم الصحافي وطرحوا أن تَعتقِل قيادة الجيش الوزراء لمبادلتهم بالمخطوفين.
عندها، طلب سلام من معاونيه الاتصال بأهالي المخطوفين للمشاركة في لقاء يُعقد في الخامسة عصر اليوم في حضور أعضاء اللجنة الوزارية الخماسية، التي توسّعت أمس بانضمام وزير المال اليها، لإطلاعهم على ما آلت اليه الاتصالات الجارية في الكواليس الديبلوماسية والأمنية.
فنيش
وأبدى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش ارتياحه الى مسار الجلسة، وقال لـ«الجمهورية» انّ الموقف الذي عبّر عنه وزير الإعلام حول قضية المخطوفين «هو خلاصة النقاشات، وهو موقف يعبّر عنّا جميعاً ومحلّ إجماع».
وإذ اكّد أن لا أحد من الوزراء يؤيّد المقايضة، لفتَ الى انّ «التحدي القائم ليس بجديد، وقد رأينا سابقاً بعض مظاهره من خلال العدوان على عرسال وعلى الجيش وخطف العسكريين، لكنّ هذا التحدي تطوّر وبات يواجه البلد كله، ويتطلّب كثيراً من العناية والوضوح والحسم، كذلك يتطلّب صبراً لأننا أمام معركة فرضَتها علينا هذه الجماعات التكفيرية التي تهدد مستقبل بلدنا وأمننا وسِلمنا الداخلي، وتسعى جاهدة لإشاعة الفوضى والفتنة لتتغذى منهما وتنتشر وتحقّق أغراضها.
فالمطلوب وطنيّاً من السياسيّين والخطاب السياسي ووسائل الاعلام والمنتديات الثقافية وأهل الرأي والعلماء، أن يكونوا واعين لخطورة هذه الجماعات ومشروعها، وأن يكونوا جزءاً من مواجهتها وعدم إعانتها على تحقيق غاياتها».
وتوجّه فنيش الى أهالي المخطوفين العسكريين الذين أمهلوا الحكومة 24 ساعة لاستعادة أبنائهم، فقال: «أوّلاً نحن نقدّر مشاعرهم وأحاسيسهم، صحيح انهم أهلهم، لكن في النهاية انّ العسكريّين هم أبناء الوطن وقضيتهم قضية وطنية وهي محلّ متابعة لدى الحكومة، ولن نألو جُهداً للوصول الى ضمان سلامتهم وإطلاقهم».
العَين بالعين
وفي تقويم لنتائج الجلسة، قال أحد الوزراء لـ الجمهورية» انه وعلى عكس ما يُشاع عن انقسامات داخل الحكومة فقد عبّرت الأكثرية الوزراية عن التضامن مع أهالي العسكريين مُتفهّمة حجم الضغوط التي تسبّبت بها تهديدات الخاطفين الذين يُحاكون التركيبة المذهبية اللبنانية في رسائلهم وسُبل التعاطي مع الإفراج عن عدد منهم لأهداف عدة مكشوفة: أوّلها، إحداث شَرخ في العلاقة بين قيادة الجيش وأهالي العسكريين والإيحاء بأنها تخَلّت عنهم.
وثانيها، خَلق مزيد من الشروخ في الجسم اللبناني والتلاعب بالعواطف المذهبية من خلال تصنيف المخطوفين بين سنّة وشيعة ومسيحيين ودروز إضافة الى التهديد بالذبح بعدما قدّموا نموذجاً بجثة الشهيد علي السيّد».
وأضاف: «لدى الحكومة اللبنانية أوراق قوة لا يُستهان بها، ومنها انها قادرة على الردّ على الخاطفين باللغة التي يُتقنوننها، وانّ منطق العَين بالعين والسِن بالسِن منطق مُجدٍ «فإذا مَسّ جندي من المخطوفين سيرون ما يؤلمهم في أكثر من منطقة وموقع».
وقال: «انّ مجلس الوزراء أجمَعَ على توجيه رسالة قاسية الى الخاطفين يُنذرهم بالثمن المتوجّب عليهم في حال مُسّ أحد العسكريين، وانّ عليهم تحمّل المسؤولية الكاملة في حال حصل شيء غير طبيعي».
مصدر وزاري
من جهته، اكد مصدر وزاري لـ»الجمهورية» انّ «الجلسة سادَها نقاش جيد ومتكامل، واتّفق مجلس الوزراء على قضايا إجرائية، واكّد مجدداً وحدة الحكومة وتضامنها حيال القضايا الوطنية، وفي طليعتها قضية عرسال والمخطوفين العسكريّين».
واعتبر المصدر انّ «وحدة الموقف هذه هي خط الدفاع الأول في العمل لاستعادة المخطوفين». وتحدث عن وجود «لعبة أجهزة باتت مكشوفة وراء تحرّك أهالي المخطوفين العسكريين وبياناتهم التي تُلقّن لهم وتصريحاتهم التي يتهجّمون فيها على قيادة الجيش والوزراء بدلاً من أن يصَوّبوا على تنظيم «داعش».
برّي ترشّح وغادر
وفي هذه الأجواء، قدّم رئيس مجلس النواب نبيه برّي طلب ترشّحه للانتخابات النيابية، وغادر لبنان في زيارة خاصة، وذلك بعد ان عَمّم على أعضاء كتلته «التنمية والتحرير» وجوب تقديم ترشيحاتهم، مؤكداً رفضه التمديد لمجلس نوّاب لا يجتمع للتشريع أو لانتخاب رئيس جمهورية جديد.
وعُلم انّ نوّاب كتَل «الوفاء للمقاومة» و«التغيير والاصلاح» و«المستقبل» و»اللقاء الديموقراطي» يستعدون لتقديم طلبات ترشيحهم الاسبوع المقبل، وذلك قبل إقفال باب الترشيح في 16 من الجاري.
وقالت مصادر قيادية في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» إنّ موقفها من الانتخابات النيابية أصبح معلوماً، لجهة أنّ فريقاً داخلها يرفض تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية بسبب الإشكالية الدستورية التي ستنجم عن هذه الانتخابات ربطاً بتكليف رئيس الحكومة، فضلاً عن ضرورة الضغط لإنهاء الشغور الرئاسي، فيما الفريق الآخر لا يعارض إتمام الانتخابات النيابية على رغم تمسّكه بالرئاسية.
وأكدت هذه المصادر أنّ الفريقين داخل 14 آذار يلتزمان المهَل القانونية ولن يتأخرا عن خوض الانتخابات في حال توافقت الكتل النيابية والقوى السياسية على إجرائها. واعتبرت أنّ «الترشيحات مسألة بديهية وستقدّمها مكوّنات 14 آذار كلها، لأن سوى ذلك يمكن أن يفسّر بأنها تقاطِع الانتخابات، فيما هي ليست في هذا التوجّه، وتَحفّظها مَردّه فقط إلى إعطاء الانتخابات الرئاسية الأولوية».
الراعي
والى ذلك، تساءل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي عن أسباب الخلافات والانقسامات بين اللبنانيين وعدم انتخاب رئيس جمهورية بعد؟ وقال: «علينا التواضع لكي نُنتِج الخير ونبتعد عن الأزمات والمشكلات ونبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية». وأضاف: «ليتَ جميع المرشّحين يتبعون كلام الإنجيل فينسحبوا أمام مصلحة الوطن عِوضاً عن المصلحة الشخصية».
واعتبر أنّ «حرمان البلاد من رئيس الجمهورية إنما هو طعنة في صميم كرامة لبنان، ونحن نأسف لحرماننا من الرئيس من أجل بعض الحسابات الشخصية».
صيّاح
الى ذلك، أكد النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح لـ»الجمهورية» أنّ الراعي «لم يحصل على وعد من الفاتيكان خلال زيارته الأخيرة، بحَلحلة خارجية قريبة في ملف الاستحقاق الرئاسي، على رغم علاقات الفاتيكان الدولية، أو طمأنة الى أنّ عواصم القرار باتت مقتنعة بضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد». ونفى صيّاح، في المقابل، عِلمه بأنّ «موفداً فاتيكانياً رفيعاً سيزور لبنان قريباً لطَرح مبادرة رئاسيّة».
وأشار الى أنّ الراعي التقى وزير خارجية الفاتيكان دومينيك مامبيرتي، ورئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري، «وعرض معهما لمجريات الأوضاع في الشرق الأوسط، في ضوء ما يتعرّض له المسيحيون من قتل وتهجير على أيدي المجموعات المتطرفة. كذلك عرض معهما لأزمة انتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان والصعوبات الداخلية والخارجية التي تعوق إنجاز هذا الاستحقاق الرئاسي».
«داعش» و«الكيماوي»
أبدت واشنطن أمس قلقها إزاء إمكان أن يكون النظام السوري أغفل الإعلان عن أسلحة كيماويّة قد تقع بين أيدي متطرّفين أمثال عناصر تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، وفقَ ما أعلنت سفيرتها لدى الأمم المتّحدة سامنتا باور، مضيفةً: «لهذا السبب، يريد مجلس الأمن الدولي الاستمرار في متابعة هذا الملف عَن كثب».