أعلنت الولايات المتحدة ودول الخليج مع مصر ولبنان والأردن والعراق الخميس الماضي بياناً مشتركاً، في ختام الاجتماع الإقليمي في جدة، بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري، التزامها العمل معاً على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولم تشارك تركيا في البيان على رغم مشاركتها في الاجتماع، وتصريحاتها المنفردة التي عبّرت بها عن تأييدها للخطوات العسكرية الأميركية في محاربة «داعش».
عدم مشاركة تركيا في البيان، وما تردد عن حضورها قسراً بعد ضغوطات أميركية، يعني بداية أن تدفق العناصر إلى «داعش» سيستمر، لأن تركيا هي المنفذ الوحيد الذي يلج عبره المنضمون الجدد إلى التنظيم الإرهابي، كما يعني أن تركيا ترى أن التنظيم ليس تهديداً لها، بل هو ورقة قوة في يدها، ومن ثم تركيا على طاولة أي نقاش غربي عن «داعش»، وذلك لحدودها الجغرافية مع العراق وسورية تحديداً، إضافة إلى حوالى أربع سنوات من إدارة أزمة الحدود وتسهيل دخول الإرهابيين لسورية، وهو ما يجعلها تملك أدق قاعدة بيانات عن العناصر الإرهابية في «داعش» و«النصرة» وغيرهما.
على الجانب الآخر يبدو من المؤشرات الأولية لنهج السلطان أردوغان، أن ما بدأه من دعم لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر، سيزداد بعد تولية مقعد رئاسة الجمهورية وإقصائه لأي معارضة حقيقية في تركيا، ومن ثم سيكون في أنقرة ما يشابه «المقطم العثماني»، أي أن تركيا بعد تولي أردوغان الرئاسة، ستعفي قطر من بعض الحرج مع أشقائها الخليجيين ومصر، وتستضيف وجدي غنيم وبقية جوقة الإخوان، مع ما يلي ذلك من توفير منصات إعلامية لهم لاستكمال مناكفة النظام المصري، وهو ما يجعلها ورقة أخرى تناكف بها مصر والسعودية تحديداً.
هذا في ما يخص تركيا الذي يبدو أنها ستقدم القليل في محاربة «داعش»، والذي يبدو بحسب الأجندة الأميركية التي ستلتزم بها أنقرة بالطبع، سيكون هدفها إعادة داعش من العراق إلى سورية، أما فيما يخص بقية المجتمعين، فيبدو أن الدول العربية ترى أن «داعش» خطر يهدد أمنها، ويهدد أيضاً أبناءها الذين يغرر بهم عبر الشبكات الاجتماعية وغيرها، ويزداد «داعش» جاذبية في أعينهم كلما زاد قوة، وهو ما حدث بالطبع لتلكؤ أميركا في التصدي له، ولكنها سمة أوباما التي اعتدناها.
الدول العربية -وعلى رأسها السعودية ومصر- تنظر للإرهاب ككل لا يتجزأ، يشمل كل الإرهاب السني مثل «النصرة» و«داعش» وجماعات سيناء، وتنظر أيضاً لتدخل «حزب الله» و«فيلق القدس» ولواء «أبو الفضل العباس» والممارسات الإرهابية كخطر تجب مكافحته، بل إن تصرفات الجيش العلوي وحزب الله الطائفية وبقية الفصائل الشيعية، هو سبب رئيس للشحن الطائفي الذي ولّد التطرف السني الذي نريد محاربته اليوم.
تعيين الجنرال الأميركي جون آلن منسقاً للتحالف الدولي الذي تبنيه الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم داعش، والذي كان قائداً للقوات الأميركية في أفغانستان ولعب دوراً أساسياً في الحرب في العراق، إضافة إلى خطوة الرئيس أوباما بإقرار 500 مليون دولار لتدريب الجيش الحر لمقاتلة «داعش»، هي خطوات إيجابية لمحاربة الإرهاب بجدية، ولكن هل تريد الولايات المتحدة فعلاً القضاء على «داعش»؟
إبقاء «داعش» قوياً أمر يلحق الضرر بأميركا، ولاسيما بعد نحر الصحافيين الأميركيين، ولكن تدمير «داعش» هو تغيير جذري في الواقع السوري على الأرض، ومن ثم فناء «داعش» سيسبب فراغاً جيوسياسياً وعسكرياً في 40 في المئة من الأرض السورية، هذا الفراغ سيملأه الجيش الحر غالباً، ومن ثم ستقل فرص بقاء النظام السوري، وهو التغيير الذي لا ترغب فيه أميركا اليوم، وعليه تسعى لإعادة العفريت إلى القارورة السورية لا القضاء عليه، وهي فرصة لعامين آخرين في محاربة «داعش»، تضاف إلى مهلة التخلص من الكيماوي التي بسببها ما زال الأسد في الحكم.