بيروت – محمد شقير
لم يعد من مبرر للتوتر السياسي بين زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، لأنهما أوشكا على مقاربة معظم القضايا المطروحة داخلياً ودولياً وإقليمياً من منظار واحد، وهذا ما سيتم تظهيره في لقاء يجمعها في أقرب وقت ممكن، نظراً إلى انتفاء العائق السياسي الذي كان وراء عدم التواصل بينهما.
ويقول عدد من الذين واكبوا أجواء لقاء الحريري ووزير الصحة وائل أبو فاعور موفداً من جنبلاط في الدار البيضاء في المغرب، إن منسوب التوتر بينهما إلى تراجع، وإنهما مستعدان للقاء في أي لحظة.(يرجح في باريس هذا الاسبوع) ويؤكد هؤلاء، كما يقولون لـ «الحياة»، أن لا غنى لأحدهما عن الآخر وإنهما محكومان في نهاية المطاف بالتوافق مهما تباعدت المواقف بينهما، وإن مساحة اهتزاز الثقة بينهما أخذت تضيق لمصلحة التأسيس لعلاقة لا تشوبها شائبة، خصوصاً أن التباعد بينهما لم يمنع تلاقيهما في موقف موحد من سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام.
وفي المقابل، فإن الحوار بين الحريري ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لم ينقطع، لكن يبدو للمراقبين كأنه يمر في «إجازة» لا يمكن التكهن بنهايتها العالقة على نصيحة «المستقبل» لـ «الجنرال» بضرورة الانفتاح على القيادات المسيحية في «14 آذار» وهذا ما لم يفعله حتى الساعة.
ويضيف هؤلاء أن الحريري كان صريحاً مع عون منذ بداية الطريق عندما أبلغه أنه لا يضع «فيتو» على ترشحه لرئاسة الجمهورية، وأن عليه الانفتاح على المسيحيين في «14 آذار»، لأنه يرفض أن ينوب عنهم في موقفهم من ملف انتخابات الرئاسة، لا سيما أنه لا يحبذ الدخول في مقايضة مع أحد يكون ثمنها تهديد وحدة «14 آذار»، إضافة إلى أن لا شيء جديداً يستدعي لقاء الحريري – عون في الوقت الحاضر، باعتبار أن التحضير لمثل هذا اللقاء يتطلب مبادرة عون إلى اتخاذ مواقف جديدة تستدعي التشاور بينهما على مستوى القمة.
ويسأل المراقبون عن خلفية الدوافع التي أملت على عون الدعوة إلى إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية. ويقول هؤلاء: «هل أراد أن يرمي دعوته في وجه الحريري في محاولة لإحداث إرباك داخل قوى 14 آذار وجرها، من وجهة نظره، إلى الاختلاف حول توزيع المقاعد النيابية؟».
كما يسأل هؤلاء: «هل عون اختار الوقت المناسب لفتح ملف دعوته إلى الانتخابات النيابية اعتقاداً منه بأن حواره المديد مع «المستقبل» حقق إيجابيات، لكنه لم يحقق ما يشتهيه منه، خصوصاً في ما يتعلق بدعم الحريري ترشحه… وإلا لماذا أخذ على عاتقه الانفراد في تقديم الانتخابات النيابية كأولوية على الرئاسية؟».
ويعتقد المراقبون أن معظم الأطراف السياسيين الرئيسيين أخذوا قرارهم في استيعاب دعوة عون إلى إجراء الانتخابات النيابية على أي قانون حتى لو كان قانون الستين، على رغم أنه يستعد لإعادة الاعتبار للمشروع الأرثوذكسي الذي أجل الإعلان عنه إلى وقت آخر بعد نجاح المساعي التي مهدت لإعادة تواصله مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
الاولوية لانتخابات الرئاسة
ويلفتون إلى أن قوى 14آذار أجمعت في اجتماعها الأخير، في معرض ردها على دعوة عون إلى إجراء الانتخابات النيابية، على تأكيد أن لا مانع لديها وأنها جاهزة لخوضها، لكن تبقى الأولوية للانتخابات الرئاسية التي تشكل نقطة تقاطع بين بكركي و «14 آذار» وحركة «أمل» وجنبلاط الذي دعا إلى إعداد قانون انتخاب جديد.
ويسأل المراقبون، هل ستؤدي الانتخابات النيابية إذا أجريت في أيلول (سبتمبر) المقبل إلى تغيير في موازين القوى ينتج معادلة سياسية جديدة تؤمن وصول عون إلى سدة الرئاسة الأولى مع أن نتائجها معروفة سلفاً، ولن تبدل من الخريطة النيابية في البرلمان، لأن قدرة القوى الرئيسية تبقى محدودة ولن تستطيع أن تحقق فوزاً كاسحاً وهذا ما يعرفه عون؟
لذلك، فإن عون يضغط بورقة الانتخابات النيابية لترحيل الانتخابات الرئاسية إلى أمد بعيد طالما أن المجلس النيابي الحالي لا يحقق له مبتغاه في الوصول إلى سدة الرئاسة. مع أن إتمامها في ظل الظروف الراهنة يبقى متعسراً، ويمكن أن تعيد الأجواء التي يمر بها لبنان حالياً إلى الوراء لأن هناك صعوبة، حتى إشعار آخر، في تكريس وضع ثابت في البلد في منطقة متحركة تشهد تطورات لم تكن متوقعة أو محسوبة، إذا أخذ في الاعتبار كل ما يحصل في العراق في ضوء سيطرة «داعش» على مناطق واسعة فيه من شأنها أن تفتح الباب أمام السؤال عن مستقبل العراق وكيف سيواجه رئيس الوزراء نوري المالكي الأوضاع المستجدة.
ويقول المراقبون إن عون، بدعوته هذه، لم يحرج «14 آذار» مع أن هناك صعوبة أمنية وسياسية تواجه إجراء الانتخابات، وكان يراهن على دور للحريري في إقناع حلفائه بترشحه للرئاسة، وأن الأخير صارحه بقوله: «نساعدك لكن عليك أن تبدأ بخطوة أولى في اتجاههم»، وهذا ما لم يفعله. ويؤكدون أن عون أراد من وراء دعوته تفجير «قنبلة سياسية» مع أنه يدرك أن مفعولها العملي محدود وأن «حزب الله» مضطر لتأييده في دعوته، لأنه يريد مراعاته رافضاً تكرار ما حصل في السابق عندما أيد التمديد للبرلمان خلافاً لموقفه.
ويضيفون أن تأييد قيادة «حزب الله» عون قد لا يصرف في تحضير الأجواء لإجراء الانتخابات، على رغم أنه يدرك أن نتائجها لن تبدل من واقع الحال في البرلمان، وأن تحقيق انتصارات محدودةً لن يتيح لفريقهما الفوز بثلثي أعضاء البرلمان لاعتلاء «الجنرال» سدة الرئاسة لأن حجم هذا الانتصار يبقى بحدود عدد ضئيل من المقاعد كذلك الحال بالنسبة إلى «14 آذار».
ويستعبد هؤلاء أن يكون الرئيس نبيه بري مع إجراء الانتخابات، ليس لأنه يخشى نتائجها، بل لاعتقاده أن الظروف لا تسمح بإجرائها، إضافة إلى أنه لا يريد الدخول في صدام مع بكركي التي تصر بلسان رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي على إعطاء الأولوية للرئاسية وهذا ما يؤشر إلى موقف بري الذي عبّر عنه عضو كتلته النائب ميشال موسى بقوله: «نعم للانتخابات النيابية على أن تسبقها الرئاسية». ويرى المراقبون أن «حزب الله» يريد أن يسلف عون موقفاً يدرك مسبقاً أن هناك صعوبة أمام صرفه في معركته الرئاسية، خصوصاً أن ما يهمه في الوقت الحاضر الانصراف إلى مشاركته في الحرب الدائرة في سورية إلى جانب النظام، وبالتالي لا مصلحة له في أن يغرق في انتخابات نيابية يعرف سلفاً أنها لن تنتج واقعاً جديداً في البرلمان يراهن عليه عون للوصول إلى الرئاسة.
ويؤكد هؤلاء أن بري لا يعارض التمديد للبرلمان، ليس خوفاً من النتائج، وإنما من تداعيات إجراء الانتخابات النيابية في ظل الفراغ في الرئاسة، لكنه ليس في وارد أن يحمل مثل هذا القرار بمفرده، وإنما يريد من الآخرين السعي من أجل تسويقه.
ويقولون إن هناك حاجة، ولضرورات طارئة، إلى معاودة الجلسات التشريعية لأنها تشكل المدخل للتمديد للبرلمان الذي سينتخب رئيس الجمهورية، لكن أحداً لا يعرف متى سيتم انتخابه، بينما تبقى الدعوة إلى إجراء الانتخابات ورقة للمزايدة الشعبوية التي يمكن أن يوظفها عون في معركته ضد خصومه بذريعة أنه الأقوى مسيحياً، وهناك من يعترض على انتخابه رئيساً للجمهورية.
قنبلة صوتية
وعليه، يؤكد المراقبون أن الدعوة إلى الانتخابات النيابية تبقى إلى أمد بعيد كأنها «قنبلة صوتية» تحدث ضجيجاً من دون إصابات، ويقولون إن عون في حاجة إلى استحضار قضية لتبرير هروبه إلى الأمام بدلاً من مواجهته الوقائع لجهة الخروج من المبارزة الرئاسية لمصلحة البحث عن مرشح تسوية، وهو يلتقي بذلك، وللمرة الأولى، مع خصمه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويعتقد هؤلاء أن عون يعرف جيداً أن هناك صعوبة إقليمية ودولية أمام وصوله إلى الرئاسة يضاف إليها أن ميزان القوى في البرلمان ليس لمصلحته اليوم ولا غداً إذا تقرر إجراء الانتخابات النيابية، لكنه ربما يراهن على عوامل وتطورات إقليمية تفرض عليه التلويح بورقة الانتخابات لتمرير الوقت ولإشغال اللبنانيين بمعركة لا يبدو أنها حاصلة. لكن هؤلاء يسألون هل دينامية الفراغ ممكن أن تولد مشكلات أمنية وسياسية أم إن القدرة متوافرة للسيطرة على الوضع ولمنع إقحام البلد في تطورات دراماتيكية يعرف الجميع من أين تبدأ لكن أحداً لا يمكنه التكهن إلى أين ستنتهي ومتى؟ بذريعة أن المجتمع الدولي، بدعمه الاستقرار في لبنان، توصل إلى تأمين شبكة أمان سياسية يجب الاستفادة منها لمنع الخروق الأمنية من أن تتفاعل في شكل يصعب معه استيعاب ارتداداتها السلبية.