العنصرية ضد السوريين تختلط بإرهاب الخطف طلباً للفدية
لبنان أمام مقدمات حرب أهلية جديدة؟
لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثامن بعد المئة على التوالي.
لكأنها دولة كرتونية، تراقب ما يجري، وتتغنى بامتلاكها أوراق قوة، فيما العسكريون المخطوفون لا يزالون تحت رحمة المجموعات الارهابية لليوم الثامن والثلاثين على التوالي.
كأنها دولة كرتونية، فقدت مقوّمات استمرارها، والامن يرقص على حافة الهاوية، وها هي مشاهد الفلتان والحواجز الطيارة والخطف على الهوية التي ظهرت طيلة نهار امس، في عدد من المناطق، توقظ الذاكرة على المشاهد ذاتها عشية الحرب الاهلية في العام 1975، والتي ما زال اللبنانيون يدفعون ثمن ويلاتها حتى اليوم. وتشكل مع الرياح الصفراء التي تهب على لبنان بذور الفتنة التي تنذر، إن وقعت، بشر مستطير. ولقد بذلت جهات سياسية وأمنية فاعلة في الساعات الماضية جهوداً مضنية لمنع انزلاق البلد الى المحظور بما يحقق هدف المجموعات الإرهابية بدفع البلد الى الفتنة القاتلة.
وكانت منطقة البقاع قد شهدت توتراً ملحوظاً تخللته أعمال خطف متبادل، حيث تم خطف اربعة مواطنين من بلدة عرسال. وفي سعدنايل، وبعد شيوع خبر خطف أحد أبنائها، على طريق الطيبة عند اوتوستراد بعلبك، على يد إحدى العصابات بهدف الفدية المالية كما رجح مصدر أمنيّ، قطع شبان من البلدة الطريق بالاتجاهين وخطفوا عدداً من سائقي الفانات وركابها ثم أطلقوهم لاحقا، فيما داهم الجيش اللبناني منزل (ح.ط) في بريتال للاشتباه بكونه خاطف ابن عرسال، وتم توقيف زوجته وعدد من المقربين منه.
.. واعتداءات على نازحين
وسجل امس ايضا قطع طرق عدة، وقيام بعض العابثين الذين تسللوا من خلف تحرّك ذوي العسكريين المخطوفين، بشن حملة تهديدات واعتداءات عنصرية على العمال والنازحين السوريين في عدد من المناطق، وعلى طردهم من أكثر من منطقة، واحتجاز بعضهم ووضعهم مكبلين وسط الطريق لفترة من الوقت قبل إطلاقهم لاحقا بعد تدخل الجيش. ولعل الأسوأ ما أقدمت عليه بعض البلديات بإصدار بيانات تعتبر السوريين فئة غير مرغوب فيها وتنذرهم بالمغادرة!
كل ذلك سيكون على طاولة اجتماع أمني عسكري يعقد اليوم لعرض التطورات وتداعياتها، وقد أبلغ مصدر وزاري مسؤول «السفير» أن «المساعي في ما خص العسكريين المخطوفين مستمرة وتسير وفق ما هو مرسوم لها وبعيدا عن الضجيج والأضواء، ولكنني مع التطورات التي حصلت امس من عمليات خطف واعتداء بت أخشى ان نكون قد انتقلنا الى مربع الفتنة ومربع الموت من جديد، فما حصل في البقاع ومنطقة بعلبك امس أعاد الامور الى نقطة الصفر والى ما قبل الخطة الأمنية، وما أخشاه هو أن تتفاقم الامور أكثر».
وبمعزل عن أهداف ومبررات عمليات الخطف والخطف المضاد، فإن ذلك يفتح على سلسلة أسئلة:
هل نسي اللبنانيون الحقبات السوداء التي مرّوا بها منذ العام 1975 حتى اليوم، وهل يدركون أنهم شعب واحد، وانهم ضحايا ووقود لحرب لعينة أكبر منهم لن توفر نارها لا الشيعي ولا السني ولا المسيحي ولا الدرزي ولا أياً من المكوّنات؟
وهل لأي طرف لبناني مصلحة في دفع الوقائع يوميا الى إنتاج أحداث تمس بالامن اللبناني وتدحرج البلد نحو أبواب جهنم؟
أين الدولة، وهل ستبادر لان تكون بمستوى الخطر الداهم والقيام بما يحفظ ماء وجهها أو ما تبقى منه، ام انها كعادتها ستكتفي بالبكائيات وتسلم أمرها لعجزها وهشاشتها؟
أين القيادات والقوى السياسية، ألا ينبغي ان يشكل هذا الخطر الداهم فرصة كي تكون هناك قيادات «مسؤولة» يجمع بينها الإدراك المشترك لحجم الخطر والشراكة في رده؟
متى سيتم فك أسر الجيش من القيود السياسية، ام انه سيبقى عرضة لحرب استنزاف على غرار ما حصل امس في جرود عرسال، حيث خاض اشتباكات عنيفة مع المجموعات الإرهابية.
الى ذلك، أكد مرجع أمني لـ«السفير» تكثيف العمل الامني في الفترة الاخيرة في مختلف المناطق «وثمة إنجازات تحققت في أكثر من منطقة وتم إلقاء القبض على عدد من المرتبطين بالتنظيمات الارهابية، إلا ان ذلك لا يبرر أي اعتداءات أو استهداف للنازحين أو أن يُؤخذوا كلهم بجريرة مجموعة من الإرهابيين». وقال: ملف النازحين صار أكثر من ضاغط على الواقع اللبناني ويضع الحكومة وكل القوى السياسية أمام مسؤولية المعالجة السريعة، علما ان حل هذه المشكلة لا بد ان يتم بالتواصل والتنسيق بين لبنان وسوريا.
«حزب الله»: تعالوا نتفاهم
وقال نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لـ«السفير»: تنظيم داعش وجبهة النصرة يشكلان خطرا كبيرا على لبنان، إلا ان هذا الخطر لا يعني ان بإمكان التكفيريين ان يحققوا أهدافهم، خاصة اذا ما جرى التصدي لهم بالشكل الصحيح والفعال.
ودعا الى معالجة شجاعة لمسألة عرسال وصولا الى تحرير العسكريين، رافضا عمليات الخطف والانسياق في المسار الذي يريده الإرهابيون، ودعا من سماها جماعة «4 آذار» الى «الكف عن التبرير للتكفيريين، فهؤلاء لا يوقـِّرون أحدا ولا يعترفون بأحد بل يكفـِرون حتى من يغطيهم».
وأكد «ان الخيار الصحيح هو ان نجلس معا، ونتفق بطريقة موضوعية على معالجة كل القضايا، فلا الشتائم تأتي بحل، ولا بث السموم الإعلامية يمكن ان يغيّر بالواقع شيئا، أو يمكن ان يوصلكم الى أي مكان، ولا الاستعراضات تفتح طريقا للمعالجة، بل ان الطريق الحصري هو الاعتراف بأنّ لبنان بلد متنوّع ولا يحكم إلا بتفاهم أبنائه ولا يملك أي طرف القدرة على عزل أطراف اخرى، وليس في إمكان أي طرف ان يمسك البلد وحده لمآربه».
وردا على سؤال قال: الحراك الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة الاميركية ليس حراكا جديا في إنهاء الخطر التكفيري، بل هذا الحراك يريد وضع حدود تتناسب مع الاستفادة من هذا الخطر كفزاعة في الأماكن المناسبة لتحصيل مكتسبات سياسية.