يوما بعد يوم يقترب لبنان من حافة الهاوية، فبين أحداث عرسال واختطاف العسكريين اللبنانيين، والخطف والخطف المضاد المحليين، وقطع الطرق في مناطق عدة من البلاد يبدو لبنان في سباق محموم مع احتمالات انفجار كبير لم تتضح معالمه حتى الآن، ولكن المشهد قاتم، لا بل قاتم جدا.
أتت الحكومة الحالية لتعكس “تفاهمات” خارجية – محلية قضت بفرض “تهدئة” سياسية – أمنية في البلاد، ولكن التطورات التي تتسارع في كل مكان، ولا سيما بعدما تم ربط لبنان بالازمة السورية في شكل عضوي من خلال تورط “حزب الله” في قتل السوريين على أرضهم، أدت الى استدراج الازمة الى لبنان من الباب العريض. واللافت ان التداخل بين اكثر من مواجهة في سوريا ولبنان على حد سواء أدى بالرغم من “تفاهمات” مطلع العام، الى اعادة الامور الى مربع التفجير الداخلي الذي يمكن ان يدفع الامور بسرعة كبيرة الى الهاوية. ولعل أبلغ مثال على ذلك حادثة اختطاف مواطن من سعدنايل قابلها اختطاف مواطنين من بعلبك على خلفية مذهبية واضحة، ولا لبس فيها، بما يظهر صورة قاتمة جدا لما آلت اليه العلاقات بين أبناء الوطن الواحد الذين لم تكفهم حادثة اختطاف المسلحين السوريين لعناصر من الجيش ينتمون الى مختلف الشرائح الطائفية والمذهبية. والمؤسف ان “خلطة” الجنود المختطفين لم تفعل فعلها في تفكيك التوتر المذهبي اللبناني الكبير، كأن البلاد تعوم على بركة من المواد السريعة الاشتعال ولا ينقصها سوى عود كبريت لكي تشتعل برمتها وفي كل مكان.
حتى لو حُلّت قضية الشاب ابن سعدنايل المختطف، وتبين انها من فعل عصابة، فان منسوب التوتر المذهبي في البلد مرتفع الى درجة تمنع ابقاء الموضوع محصورا كحدث أمني عابر. والكل يعلم ان ما حصل أمس سيتكرر في يوم آخر، ويتقاطع مع المحاولات الحثيثة من أجل اعادة اشعال أزمة كبيرة في عرسال المهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى بحرب شاملة يدفع الجيش اليها دفعا مع افتعال حادث يبدأ محصورا ثم يتمدد. والواضح أن “حزب الله” يدفع في هذا الاتجاه لفتح حرب شاملة على عرسال يقف فيها خلف “مظلة” الجيش الشرعية.
لقد كان من ايجابيات الحكومة التي يرئسها الرئيس تمام سلام، وهو رجل حكيم وعاقل، انها عنصر تهدئة للنفوس في البلاد، ولكن كلما مر الوقت يكتشف اللبنانيون ان السباق المحموم مع التفجير قائم في الواقع، وأن سلة المشكلات والازمات المتنقلة من منطقة الى منطقة، وداخل المؤسسات الرسمية، يمكن ان تغلب “تفاهمات” الخارج والداخل للتهدئة.
لقد أصاب وزير الداخلية نهاد المشنوق عندما رسم في مناسبات سابقة مشهدا سلبيا للغاية، مبرزا خطورة الاوضاع التي يمر بها لبنان على المستوى الامني. والحقيقة ان المنطقة بأسرها مقبلة على اهتزازات هائلة في سوريا والعراق، ولبنان أقرب الجيران وأكثرهم تأثرا إن بسبب الجغرافيا او بسبب تورط شريحة وازنة فيه بحروب المنطقة بكل تفاصيلها.